الأسماء الحسنى ومعانيها

الأسماء الحسنى ومعانيها


الله
الإله
الواحد
الأحد
الصمد
الأول
الآخر
السميع
البصير
القدير
القاهر
العلي
الأعلى
الباقي
البديع
البارئ
الأكرم
الظاهر
الباطن
الحي
الحكيم
العليم
الحليم
الحفيظ
الحق
الحسيب
الحميد
الحفي
الرب
الرحمن
الرحيم
الذارئ
الرزاق
الرقيب
الرؤوف
الرائي
السلام
المؤمن
المهيمن
العزيز
الجبار
المتكبر
السيد
السبوح
الشهيد
الصادق
الصانع
الطاهر
العدل
العفو
الغفور
الغني
الغياث
الفاطر
الفرد
الفتاح
الفالق
القديم
الملك
القدوس
القوي
القريب
القيوم
القابض
الباسط
قاضي الحاجات
المجيد
المولى
المنان
المحيط
المبين
المقيت
المصور
الكريم
الكبير
الكافي
كاشف الضر
الوتر
النور
الوهاب
الناصر
الواسع
الودود
الهادي
الوفي
الوكيل
الوارث
البر
الباعث
التواب
الجليل
الجواد
الخبير
الخالق
خير الناصرين
الديان
الشكور
العظيم
اللطيف
الشافي

قال الشيخ الصدوق: حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن زكريا القطان، قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن لله تبارك و تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، وهي: الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأول، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العلي، الأعلى، الباقي، البديع، البارئ، الأكرم، الطاهر، الباطن، الحي، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحق، الحسيب، الحميد
____________
(1) في الكافي: (موضع النشوء منها). وفي البحار: (موضع المشي منها). وليس المراد بالعقل ما في الإنسان بل مطلق الشعور في أمورها للقطع بأن الحيوان فاقد له.

الحفي، الرب، الرحمن، الرحيم، الذارئ، الرزاق، الرقيب، الرؤوف الرائي، السلام، المؤمن، المهين، العزيز، الجبار، المتكبر، السيد، السبوح الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفو، الغفور، الغني، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتاح، الفالق، القديم، الملك، القدوس، القوي، القريب، القيوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنان، المحيط المبين، المقيت، المصور، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضر، الوتر، النور، الوهاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفي، الوكيل، الوارث البر، الباعث، التواب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي(1).

قال الشيخ الصدوق: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه، قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسى الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لله عز وجل تسعة وتسعون اسما، من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنة.
قال محمد بن علي بن الحسين مؤلف هذا الكتاب: معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة، إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها، وليس، وليس معنى الاحصاء عدها، وبالله التوفيق.

 (الله، الإله) الله والإله هو المستحق للعبادة، ولا يحق العبادة إلا له، و تقول: لم يزل إلها بمعنى أنه يحق له العبادة، ولهذا لما ضل المشركون فقد روى أن العبادة تجب للأصنام سموها آلهة(2) وأصله الإلاهة وهي العبادة، ويقال: أصله
____________
(1) المذكور في البحار ونسخ التوحيد (مائة كاملة) والظاهر أن الرائي زائد كما أتى في نسخة بدلا عن الرؤوف، أو أن لفظ الجلالة خارج عن العدد أتى بعنوان المسمى الجاري عليه الأسماء.
(2) في نسخة (د) و (و) (فقد رأوا أن العبادة – الخ).

الإله، يقال: أله الرجل يأله إليه، أي فزع إليه من أمر نزل به، وألهه أي أجاره، ومثاله من الكلام (الإمام) فاجتمعت همزتان في كلمه كثر استعمالهم لها(1) و استثقلوها فحذفوا الأصلية، لأنهم وجدوا فيما بقي دلالة عليها، فاجتمعت لأمان أولاهما ساكنة فأدغموها في الأخرى، فصارت لاما مثقلة في قولك: الله.

(الواحد، الأحد) الأحد معناه أنه واحد في ذاته ليس بذي أبعاض ولا أجزاء ولا أعضاء، ولا يجوز عليه الأعداد والاختلاف، لأن اختلاف الأشياء من آيات وحدانيته مما دل به على نفسه، ويقال: لم يزل الله واحدا، ومعنى ثان أنه واحد لا نظير له فلا يشاركه في معنى الوحدانية غيره، لأن كل من كان له نظراء وأشباه لم يكن واحدا في الحقيقة، ويقال: فلان واحد الناس أي لا نظير له فيما يوصف به، والله واحد لا من عدد، لأنه عز وجل لا يعد في الأجناس، ولكنه واحد ليس له نظير.
وقال بعض الحكماء في الواحد والأحد: إنما قيل: الواحد لأنه متوحد والأول لا ثاني معه، ثم ابتدع الخلق كلهم محتاجا بعضهم إلى بعض، والواحد من العدد في الحساب ليس قبله شئ، بل هو قبل كل عدد، والواحد كيف ما أدرته أو جزأته لم يزد عليه شئ ولم ينقص منه شئ، تقول: واحد في واحد واحد، فلم يزد عليه شئ ولم يتغير اللفظ عن الواحد، فدل على أنه لا شئ قبله، وإذا دل على أنه لا شئ قبله دل على أنه محدث الشئ، وإذا كان هو محدث الشئ دل أنه مفني الشئ، وإذا كان هو مفني الشئ دل أنه لا شئ بعده، فإذا لم يكن قبله شئ ولا بعد شئ فهو المتوحد بالأزل، فلذلك قيل: واحد، أحد، وفي الأحد خصوصية ليست في الواحد، تقول ليس في الدار واحد، يجوز أن واحدا من الدواب أو الطير أو الوحش أو الإنس لا يكون في الدار، وكان الواحد بعض الناس وغير الناس، وإذا قلت ليس في الدار أحد فهو مخصوص بالآدميين دون سائرهم، والأحد ممتنع من الدخول في الضرب والعدد والقسمة وفي شئ من الحساب، وهو متفرد بالأحدية، والواحد
____________
(1) أي فاجتمعت همزتان بعد أن أدخلوا الألف واللام على لفظ إله.

منقاد للعدد والقسمة وغيرهما داخل في الحساب، تقول: واحد واثنان وثلاثة فهذا العدد، والواحد علة العدد وهو خارج من العدد وليس بعدد، وتقول: واحد في اثنين أو ثلاثة فما فوقها فهذا الضرب، وتقول: واحد بين اثنين أو ثلاثة لكل واحد من الاثنين نصف ومن الثلاثة ثلث فهذه القسمة. والأحد ممتنع في هذه كلها لا يقال: أحد واثنان، ولا أحد في أحد، ولا واحد في أحد، ولا يقال: أحد بين اثنين، والأحد والواحد وغيرهما من هذه الألفاظ كلها مشتقة من الوحدة.(1)

 (الصمد) الصمد معناه السيد ومن ذهب إلى هذا المعنى جاز له أن يقول لم يزل صمدا، ويقال للسيد المطاع في قومه الذي لا يقضون أمرا دونه: صمد، وقد قال الشاعر:
علوته بحسام ثم قلت له
خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وللصمد معنى ثان وهو أنه المصمود إليه في الحوائج، يقال: صمدت صمد هذا الأمر أي قصدت قصده، ومن ذهب إلى هذا المعنى لم يجز له أن يقول: لم يزل صمدا، لأنه قد وصفه عز وجل بصفة من صفات فعله، وهو مصيب أيضا، والصمد الذي ليس بجسم ولا جوف له. وقد أخرجت في معنى (الصمد) في تفسير قل هو الله أحد في هذا الكتاب معاني أخرى لم أحب إعادتها في هذا الباب.

 (الأول والآخر) الأول والآخر معناهما أنه الأول بغير ابتداء والآخر بغير انتهاء.
(السميع) السميع معناه أنه إذا وجد المسموع كان له سامعا، ومعنى ثان أنه سميع الدعاء أي مجيب الدعاء، وأما السامع فإنه يتعدى إلى مسموع ويوجب وجوده، ولا يجوز فيه بهذا المعنى لم يزل، والبارئ عز اسمه سميع لذاته.
(البصير) البصير معناه إذا كانت المبصرات كان لها مبصرا، ولذلك جاز أن يقال: لم يزل بصيرا، ولم يجز أن يقال: لم يزل مبصرا لأنه يتعدى إلى مبصر و يوجب وجوده، والبصارة في اللغة مصدر البصير وبصر بصارة، والله عز وجل بصير
____________
(1) كانت النسخ ههنا مختلطة مغلوطة فصححناها على الصحة.

لذاته، وليس وصفنا له تبارك وتعالى بأنه سميع بصير وصفا بأنه عالم، بل معناه ما قدمناه من كونه مدركا(1) وهذه الصفة صفة كل حي لا آفة به.

(القدير، القاهر) القدير والقاهر معناهما أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد الانفاذ فيها، وقد قيل: إن القادر من يصح منه الفعل إذا لم يكن في حكم الممنوع(2)، والقهر الغلبة، والقدرة مصدر قولك: قدر قدرة أي ملك، فهو قدير قادر مقتدر، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له: وقد قال: عز ذكره: (مالك يوم الدين)(3) ويوم الدين لم يوجد بعد، و يقال: أنه عز وجل قاهر لم يزل، ومعناه أن الأشياء لا تطيق الامتناع منه ومما يريد إنفاذه فيها، ولم يزل مقتدرا عليها ولم تكن موجودة كما يقال: مالك يوم الدين، ويوم الدين لم يوجد بعد.

(العلي الأعلى) العلي معناه القاهر فالله العلي ذو العلى والعلاء والتعالي أي ذو القدرة والقهر والاقتدار، يقال: علا الملك علوا، ويقال لكل شئ قد علا: علا يعلو علوا وعلي يعلى علاء، والمعلاة مكتسب الشرف وهي من المعالي، و علو كل شئ أعلاه – برفع العين وخفضها – وفلان من علية الناس وهو اسم، ومعنى الارتفاع والصعود والهبوط عن الله تبارك وتعالى منفي، ومعنى ثان أنه علا تعالى عن الأشباه والأنداد وعما خاضت فيه وساوس الجهال وترامت إليه فكر الضلال، فهو علي متعال عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وأما الأعلى فمعناه العلي والقاهر، ويؤيد ذلك قوله عز وجل لموسى عليه السلام: (لا تخف إنك أنت الأعلى)(4) أي القاهر، وقوله عز وجل في تحريض المؤمنين على القتال: (ولا
____________
(1) كأنه رحمه الله أراد الإشارة إلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.
(2) أي لم يكن الفعل ممتنعا أو لم يكن القادر ممنوعا، وهذا القيد على كلا التقديرين زائد مستدرك لأن منع القادر عن فعله إنما هو في مقام الوقوع لا الصحة والامكان والفعل الممتنع لا يتصف بالصحة والامكان.
(3) الفاتحة: 4(4) طه: 68.

تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين)(1) وقوله عز وجل (أن فرعون علا في الأرض)(2) أي غلبهم واستولى عليهم، وقال الشاعر في هذا المعنى:
فلما علونا واستوينا عليهم
تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومعنى ثان أنه متعال عن الأشباه والأنداد أي متنزه كما قال: (تعالى عما يشركون)(3).

(الباقي) الباقي معناه الكائن بغير حدث ولا فناء، والبقاء ضد الفناء، بقي الشئ بقاء، ويقال: ما بقيت منهم باقية ولا وقتهم من الله واقية، والدائم في صفاته هو الباقي أيضا الذي لا يبيد ولا يفنى.

(البديع) البديع معناه مبدع البدائع ومحدث الأشياء على غير مثال و احتذاء، وهو فعيل بمعنى مفعل كقوله عز وجل: (عذاب أليم)(4) والمعنى مؤلم ويقول العرب: ضرب وجيع والمعنى موجع، وقال الشاعر في هذا المعنى:
أمن ريحانه الداعي السميع
يؤرقني وأصحابي هجوع
فالمعنى الداعي المسمع، والبدع الشئ الذي يكون أولا في كل أمر، و منه قوله عز وجل، (قل ما كنت بدعا من الرسل)(5) أي لست بأول مرسل، والبدعة اسم ما ابتدع من الدين وغيره، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
وكفاك لم تخلقا للندى
ولم يك بخلهما بدعة
فكف عن الخير مقبوضة
كما حط عن مائة سبعة
وأخرى ثلاثة آلافها
وتسع مائيها لها شرعة(6)
ويقال: لقد جئت بأمر بديع أي مبتع عجيب.
____________
(1) آل عمران: 139.
(2) القصص: 4.
(3) يونس: 18، والنحل. 1 و 3، والمؤمنون. 92، والقصص. 68، والروم:
40 والزمر: 67.
(4) في سبعين موضعا من الكتاب.
(5) الأحقاف: 9.
(6) هذه الأبيات شرحها المجلسي رحمه الله في البحار باب عدد أسماء الله تعالى.

(البارئ) البارئ معناه أنه بارئ البرايا، أي خالق الخلائق، برأهم يبرأهم أي خلقهم يخلقهم، والبرية الخليقة، وأكثر العرب على ترك همزها، و هي فعيلة بمعنى مفعولة، وقال بعضهم: بل هي مأخوذة من بريت العود، ومنهم من يزعم أنه من البرى وهو التراب أي خلقهم من التراب، وقالوا: لذلك لا يهمز.

(الأكرم) الأكرم معناه الكريم، وقد يجئ أفعل في معنى الفعيل، مثل قوله عز وجل: (وهو أهون عليه)(1) أي هين عليه، ومثل قوله عز وجل: (لا يصليها إلا الأشقى) وقوله: (وسيجنبها الأتقى)(2) يعني بالأشقى والأتقى الشقي والتقي، وقد قال الشاعر في هذا المعنى:
إن الذي سمك السماء بنى لنا
بيتا دعائمه أعز وأطول

(الظاهر) الظاهر معناه أنه الظاهر بآياته التي أظهرها من شواهد قدرته وآثار حكمته وبينات حجته التي عجز الخلق جميعا عن إبداع أصغرها وإنشاء أيسرها وأحقرها عندهم كما قال الله عز وجل: (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له)(3) فليس شئ من خلقه إلا وهو شاهد له على وحدانيته من جميع جهاته، وأعرض تبارك وتعالى عن وصف ذاته(4) فهو ظاهر بآياته وشواهد قدرته، محتجب بذاته، ومعنى ثان أنه ظاهر غالب قادر على ما يشاء، ومنه قوله عز وجل: (فأصبحوا ظاهرين)(5) أي غالبين لهم.
____________
(1) الروم: 27.
(2) الليل: 15 و 17.
(3) الحج: 73.
(4) أي ليس الظاهر وصفا لذاته تعالى، بل هو وصف لفعله، فتأمل في قوله تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن).
(5) الصف: 14.

(الباطن) الباطن معناه أنه قد بطن عن الأوهام، فهو باطن بلا إحاطة، لا يحيط به محيط لأنه قدم الفكر فخبت عنه(1) وسبق المعلوم فلم يحط به(2) وفات الأوهام فلم تكتنهه، وحارت عنه الأبصار فلم تدركه، فهو باطن كل باطن، و محتجب كل محتجب، بطن بالذات، وظهر وعلا بالآيات، فهو الباطن بلا حجاب والظاهر بلا اقتراب، ومعنى ثان أنه باطن كل شئ أي خبير بصير بما يسرون و ما يعلنون وبكل ما ذرأ وبرأ، وبطانة الرجل وليجته من القوم الذين يداخلهم و يداخلونه في دخيلة أمره، والمعنى أنه عالم بسرائرهم، لا أنه عز وجل يبطن في شئ يواريه.

(الحي) الحي معناه أنه الفعال المدبر، وهو حي لنفسه لا يجوز عليه الموت والفناء، وليس يحتاج إلى حياة بها يحيى.

(الحكيم) الحكيم معناه أنه عالم، والحكمة في اللغة العلم، ومنه قوله عز وجل: (يؤتي الحكمة من يشاء)(3) ومعنى ثان أنه محكم وأفعاله محكمة متقنة من الفساد، وقد حكمته وأحكمته لغتان، وحكمة اللجام سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وهي ما أحاطت بحنكه.

(العليم) العليم معناه أنه عليم بنفسه، عالم بالسرائر، مطلع على الضمائر، لا يخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة، علم الأشياء قبل حدوثها، وبعد ما أحدثها، سرها وعلانيتها، ظاهرها وباطنها، وفي علمه عز وجل بالأشياء على خلاف علم الخلق دليل على أنه تبارك وتعالى بخلافهم في جميع معانيهم والله عالم لذاته، والعالم من يصح منه الفعل المحكم المتقن، فلا يقال: إنه يعلم الأشياء بعلم كما لا يثبت معه قديم غيره، بل يقال: إنه ذات عالمة، وهكذا يقال في جميع صفات ذاته.
____________
(1) في نسخة (ط) (فجنب عنه) وفي نسخة (ج) (فحنث عنه).
(2) في البحار: (وسبق العلوم فلم تحط به)، وفي نسخة (ب) و (د) (وسبق العلوم فلم يحط به).
(3) البقرة: 269.

(الحليم) الحليم معناه أنه حليم عمن عصاه لا يعجل عليهم بعقوبته.

(الحفيظ) الحفيظ الحافظ، وهو فعيل بمعنى الفاعل، ومعناه أنه يحفظ الأشياء ويصرف عنها البلاء، ولا يوصف بالحفظ على معنى العلم لأنا نوصف بحفظ القرآن والعلوم على المجاز، والمراد بذلك أنا إذا علمناه لم يذهب عنا كما إذا حفظنا الشئ لم يذهب عنا(1).

(الحق) الحق معناه المحق، ويوصف به توسعا لأنه مصدر(2) وهو كقولهم ((غياث المستغيثين) ومعنى ثان يراد به أن عبادة الله هي الحق وعبادة غيره هي الباطل، ويؤيد ذلك القول عز وجل: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل)(3) أي يبطل ويذهب ولا يملك لأحد ثوابا ولا عقابا.

(الحسيب) الحسيب معناه أنه المحصي لكل شئ، العالم به، لا يخفى عليه شئ، ومعنى ثان أنه المحاسب لعباده يحاسبهم بأعمالهم ويجازيهم عليها، وهو فعيل على معنى مفاعل مثل جليس ومجالس، ومعنى ثالث: أنه الكافي، والله حسبي وحسبك أي كافينا، وأحسبني هذا الشئ أي كفاني، وأحسبته أي أعطيته حتى قال: حسبي، ومنه قوله عز وجل: (جزاء من ربك عطاء حسابا)(4) أي كافيا.

(الحميد) الحميد معناه المحمود، وهو فعيل في معنى المفعول، والحمد نقيض الذم، ويقال: حمدت فلانا إذا رضيت فعله ونشرته في الناس.

(الحفي) الحفي معناه العالم، ومنه قوله عز وجل: (يسألونك كأنك
____________
(1) تأمل في كلامه هذا.
(2) لا يبعد أن يكون الحق صفة مشبهة أيضا كالصعب، وعلى كل يستعمل مطلقا بمعنى الثابت وإن كانت خصوصيات موارده مختلفة، والتوسع على وجوه: الاستعمال المجازي حذف حرف التعدية، حذف الكلمة، الحمل المجازي، تقديم معمول خاص في مورد لا يقدم غيره فيه، ويأتي في كلام المصنف بعض هذه فلا تغفل.
(3) الحج: 62.
(4) النبأ: 36.

حفي عنها)(1) أي يسألونك عن الساعة كأنك عالم بوقت مجيئها(2)، ومعنى ثان أنه اللطيف، والحفاية مصدر الحفي: اللطيف المحتفي بك ببرك وبلطفك(3).

(الرب) الرب معناه المالك، وكل من ملك شيئا فهو ربه ومنه قوله عز وجل: (ارجع إلى ربك)(4) أي إلى سيدك ومليكك، وقال قائل يوم حنين: لأن يربني رجل من قريش أحب إلي من أن يربني رجل من هوازن.
يريد يملكني ويصير لي ربا ومالكا، ولا يقال لمخلوق: الرب بالألف واللام لأن الألف واللام دالتان على العموم، وإنما يقال للمخلوق: رب كذا فيعرف بالإضافة لأنه لا يملك غيره فينسب إلى ما يملكه، والربانيون نسبوا إلى التأله والعبادة للرب في معنى الربوبية له، والربيون الذين صبروا مع الأنبياء عليهم السلام.

(الرحمن) الرحمن معناه الواسع الرحمة على عباده يعمهم بالرزق و الإنعام عليهم، ويقال: هو اسم من أسماء الله تبارك وتعالى في الكتب لا سمي له فيه ويقال للرجل: رحيم القلب ولا يقال: الرحمن لأن الرحمن يقدر على كشف البلوى ولا يقدر الرحيم من خلقه على ذلك، وقد جوز قوم أن يقال للرجل: رحمن وأرادوا به الغاية في الرحمة، وهذا خطأ، والرحمن هو لجميع العالم والرحيم بالمؤمنين خاصة.

(الرحيم) الرحيم معناه أنه رحيم بالمؤمنين يخصهم برحمته في عاقبة أمرهم كما قال الله عز وجل: ( وكان بالمؤمنين رحيما) والرحمن والرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وزن ندمان ونديم، ومعنى الرحمة النعمة، والراحم المنعم كما
____________
(1) الأعراف: 187.
(2) في تفسير علي بن إبراهيم: (كأنك حفى عنها) أي كأنك جاهل بها، ويؤيده نزول الآية وتعدية الحفاية بعن فراجع.
(3) في نسخة (و) (ب) (يبرك ويلطفك)، وفي نسخة (ج) (بتبرك وتلطف).
(4) يوسف: 50.

قال الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)(1) يعني: نعمة عليهم ويقال للقرآن: هدى ورحمة، وللغيث رحمة يعني نعمة، وليس معنى الرحمة الرقة لأن الرقة عن الله عز وجل منفية، وإنما سمي رقيق القلب من الناس رحيما لكثرة ما توجد الرحمة منه، ويقال: ما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر، والمرحمة الرحمة، ويقال: رحمته مرحمة ورحمة.

(الذارئ) الذارئ معناه الخالق يقال: ذرأ الله الخلق وبرأهم أي خلقهم وقد قيل: إن الذرية منه اشتق اسمها كأنهم ذهبوا إلى أنها خلق الله عز وجل خلقها من الرجل، وأكثر العرب على ترك همزها وإنما تركوا الهمزة في هذا المذهب لكثرة ترددها في أفواهم كما تركوا همزة البرية وهمزة بري وأشباه ذلك، ومنهم من يزعم أنها من ذروت أو ذريت معا يريد أنه قد كثرهم وبثهم في الأرض بثا، كما قال الله تعالى: (وبث منهما رجالا كثيرا ونساء)(2).

(الرازق) الرازق معناه أنه عز وجل يرزق عباده برهم وفاجرهم رزقا بفتح الراء رواية من العرب، ولو أرادوا المصدر لقالوا: رزقا، بكسر الراء ويقال: ارتزق الجند رزقة واحدة أي أخذوه مرة واحدة.

(الرقيب) الرقيب معناه الحافظ وهو فعيل بمعنى فاعل، ورقيب القوم حارسهم.

(الرؤوف) الرؤوف معناه الرحيم، والرأفة الرحمة.

(الرائي) الرائي معناه العالم، والرؤية العلم، معنى ثان: أنه المبصر ومعنى الرؤية الإبصار، ويجوز في معنى العلم لم يزل رائيا، ولا يجوز ذلك في معنى الإبصار.

(السلام) السلام معناه المسلم، وهو توسع لأن السلام مصدر، والمراد به أن السلامة تنال من قبله، والسلام والسلامة مثل الرضاع والرضاعة واللذاذ و اللذاذة، ومعنى ثان أنه يوصف بهذه الصفة لسلامته مما يلحق الخلق من العيب
____________
(1) الأنبياء: 107.
(2) النساء: 1.

والنقص والزوال والانتقال والفناء والموت، وقوله عز وجل: (لهم دار السلام عند ربهم)(1) فالسلام هو الله عز وجل وداره الجنة، ويجوز أن يكون سماها سلاما لأن الصائر إليها يسلم فيها من كل ما يكون في الدنيا من مرض ووصب و موت وهرم وأشباه ذلك، فهي دار السلامة من الآفات والعاهات، وقوله عز وجل (فسلام لك من أصحاب اليمين)(2) يقول: فسلامة لك منهم أي يخبرك عنهم سلامة والسلامة في اللغة الصواب والسداد أيضا، ومنه قوله عز وجل: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)(3) أي سدادا وصوابا، ويقال: سمي الصواب من القول سلاما لأنه يسلم من العيب والإثم.

(المؤمن) المؤمن معناه المصدق، والإيمان التصديق في اللغة، يدلك على ذلك قوله عز وجل حكاية عن إخوة يوسف عليه السلام: (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)(4) فالعبد مؤمن مصدق بتوحيد الله وبآياته، والله مؤمن مصدق لما وعده ومحققه، ومعنى ثان: أنه محقق حقق وحدانيته بآياته عند خلقه وعرفهم حقيقته(5) لما أبدى من علاماته وأبان من بيناته وعجائب تدبيره ولطائف تقديره، ومعنى ثالث أنه آمنهم من الظلم والجور، قال الصادق عليه السلام: سمي البارئ عز وجل مؤمنا لأنه يؤمن من عذابه من أطاعه، وسمي العبد مؤمنا لأنه يؤمن على الله عز وجل فيجيز الله أمانه(6) وقال عليه السلام: (المؤمن من أمن جاره بوائقه)، وقال عليه السلام: (المؤمن الذي يأتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم).

(المهيمن) المهيمن معناه الشاهد، وهو كقوله عز وجل: (ومهيمنا عليه)(7) أي شاهدا عليه، ومعنى ثان أنه اسم مبني من الأمين، والأمين اسم من أسماء الله عز وجل، ثم بني كما بني المبيطر من البيطر والبيطار، وكأن الأصل فيه مؤيمن فقلبت الهمزة هاء كما قلبت همزة أرقت وأيهات فقيل: هرقت وهيهات، وأمين اسم من أسماء الله عز وجل، ومن طول الألف أراد (يا أمين) فأخرجه مخرج قولهم: أزيد. على معنى يا زيد، ويقال: المهيمن اسم من أسماء الله عز وجل في الكتب السابقة.
____________
(1) الأنعام: 127.
(2) الواقعة: 91.
(3) الفرقان: 63.
(4) يوسف: 17.
(5) أي حقيقة خلقه، ولا يبعد أن يكون في الأصل حقيته تعالى.
(6) في نسخة (ط) و (ن) (فيجير الله أمانة)، وفي نسخة (د) و (و) (فيخبر الله أمانة).
(7) المائدة: 48.

(العزيز) العزيز معناه أنه لا يعجزه شئ ولا يمتنع عليه شئ أراده فهو قاهر للأشياء، غالب غير مغلوب، وقد يقال في المثل: (من عز بز) أي من غلب سلب، وقوله عز وجل حكاية عن الخصمين: (وعزني في الخطاب)(1) أي غلبني في مجاوبة الكلام(2)، ومعنى ثان: أنه الملك ويقال للملك: عزيز كما قال إخوة يوسف ليوسف عليه السلام: (يا أيها العزيز)(3) والمراد به يا أيها الملك(4).

(الجبار) الجبار معناه القاهر الذي لا ينال، وله التجبر والجبروت أي التعظم والعظمة، ويقال للنخلة التي لا تنال: جبارة، والجبر أن تجبر إنسانا على ما يكرهه قهرا تقول: جبرته على أمر كذا وكذا، وقال الصادق عليه السلام: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) عني بذلك: أن الله تبارك وتعالى لم يجبر عباده على المعاصي ولم يفوض إليهم أمر الدين حتى يقولوا فيه بآرائهم ومقائسهم(5) فإنه عز وجل قد حدو وظف وشرع وفرض وسن وأكمل لهم الدين، فلا تفويض مع التحديد والتوظيف والشرع والفرض والسنة وإكمال الدين.

(المتكبر) المتكبر مأخوذ من الكبرياء، وهو اسم للتكبر والتعظم.

(السيد) السيد معناه الملك، ويقال لملك القوم وعظيمهم: سيدهم، و قد سادهم يسودهم. وقيل لقيس بن عاصم: بم سدت قومك؟ قال: ببذل الندى، وكف الأذى، ونصر المولى، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (علي سيد العرب، فقالت عائشة: يا رسول الله ألست سيد العرب؟ فقال: أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب، فقالت: يا رسول الله وما السيد؟ قال: من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي).
وقد أخرجت هذا الحديث مسندا في كتاب معاني الأخبار، فعلى معنى هذا الحديث السيد هو الملك الواجب الطاعة.
____________
(1) ص: 23.
(2) في نسخة (ط) و (ن) (في محاورة الكلام).
(3) يوسف: 88.
(4) قال المصحح في كلامه هذا نظر.
(5) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) (بآرائهم ومقائيسهم).

 (السبوح) (1) هو اسم مبني على فعول، وليس في كلام العرب فعول إلا سبوح وقدوس، ومعناهما واحد، وسبحان الله تنزيها له عن كل ما لا ينبغي أن يوصف به، ونصبه لأنه في موضع فقل على معنى تسبيحا لله يريد سبحت تسبيحا لله، ويجوز أن يكون نصبا على الظرف، ومعناه نسبح لله وسبحوا لله(2).

(الشهيد) الشهيد معناه الشاهد بكل مكان صانعا ومدبرا على أن المكان مكان لصنعه وتدبيره، لا على أن المكان مكان له، لأنه عز وجل كان ولا مكان.

(الصادق) الصادق معناه أنه صادق في وعده، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده.

(الصانع) الصانع معناه أنه صانع كل مصنوع أي خالق كل مخلوق، ومبدع جميع البدائع، وكل ذلك دال على أنه لا يشبهه شئ من خلقه، لأنا لم نجد فيما شاهدنا فعلا يشبه فاعله، لأنهم أجسام وأفعالهم غير أجسام والله تعالى عن أن يشبه أفعاله، وأفعاله لحم وعظم وشعر ودم وعصب وعروق وأعضاء وجوارح وأجزاء ونور وظلمة وأرض وسماء وحجر وشجر وغير ذلك من صنوف الخلق وكل ذلك فعله وصنعه عز وجل، وجميع ذلك دليل على وحدانيته شاهد على انفراده وعلى أنه بخلاف خلقه وأنه لا شريك له.
وقال بعض الحكماء في هذا المعنى وهو يصف النرجس:
عيون في جفون في فنون
بدت فأجاد صنعتها المليك
بأبصار التغنج طامحات
كأن حداقها ذهب سبيك
على غصن الزمرد مخبرات
بأن الله ليس له شريك
____________
(1) في أكثر النسخ: (سبوح) بدون الألف واللام، ولم أفهم وجها لحذفهما عنه بالخصوص.
(2) الواو للمعية، أي نسبح لله مع تسبيح الذين سبحوا لله، فحذف ما عدا المصدر واسم الجلالة فصار تسبيح الله، ثم أبدل عنه سبحان الله.

(الطاهر) الطاهر معناه أنه متنزه عن الأشباه والأنداد والأضداد و الأمثال والحدود والزوال والانتقال ومعاني الخلق من الطول والعرض والأقطار والثقل والخفة، والرقة والغلظة، والدخول والخروج، والملازقة والمباينة، و الرائحة والطعم، واللون والمجسة والخشونة واللين، والحرارة والبرودة، و الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والتمكن في مكان دون مكان، لأن جميع ذلك محدث مخلوق وعاجز ضعيف من جميع الجهات، دليل على محدث أحدثه وصانع صنعه، قادر قوي طاهر من معانيها لا يشبه شيئا منها(1) لأنها دلت من جميع جهاتها على صانع صنعها ومحدث أحدثها وأوجبت على جميع ما غاب عنها من أشباهها وأمثالها أن يكون دالة على صانع صنعها، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

(العدل) العدل معناه الحكم بالعدل والحق، وسمي به توسعا لأنه مصدر والمراد به العادل، والعدل من الناس المرضي قوله وفعله وحكمه.

(العفو) العفو اسم مشتق من العفو على وزن فعول، والعفو: المحو، يقال: عفا الشئ إذا امتحي وذهب ودرس، وعفوته أنا إذا محوته، ومنه قوله عز وجل (عفا الله عنك لم أذنت لهم)(2) أي محا الله عنك إذنك لهم.

(الغفور) الغفور اسم مشتق من المغفرة، وهو الغافر الغفار، وأصله في اللغة التغطية والستر، تقول: غفرت الشئ إذا غطيته، ويقال: هذا أغفر من هذا أي أستر، وغفر الصوف والخز ما علا فوق الثوب منهما كالزئبر، سمي غفرا لأنه ستر الثوب، ويقال لجنة الرأس: مغفر لأنها تستر الرأس، والغفور: الساتر لعبده برحمته.

(الغني) الغني معناه أنه الغني بنفسه عن غيره وعن الاستعانة بالآلات والأدوات وغيرها، والأشياء كلها سوى الله عز وجل متشابهة في الضعف والحاجة، لا يقوم بعضها إلا ببعض ولا يستغني بعضها عن بعض.
____________
(1) كذا.
(2) التوبة: 43.

(الغياث) الغياث معناه المغيث سمي به توسعا لأنه مصدر.

(الفاطر) الفاطر معناه الخالق، فطر الخلق أي خلقهم وابتدأ صنعة الأشياء وابتدعها فهو فاطرها أي خالقها ومبدعها.

(الفرد) الفرد معناه أنه المتفرد بالربوبية والأمر دون خلقه، ومعنى ثان: أنه موجود وحده لا موجود معه.

(الفتاح) الفتاح معناه أنه الحاكم ومنه قوله عز وجل: (وأنت خبير الفاتحين)(1) وقوله عز وجل؟ (وهو الفتاح العليم)(2).

(الفالق) الفالق اسم مشتق من الفلق، ومعناه في أصل اللغة الشق، يقال: سمعت هذا من فلق فيه، وفلقت الفستقة فانفلقت، وخلق الله تبارك وتعالى كل شئ فانفلق عن جميع ما خلق، فلق الأرحام فانفلقت عن الحيوان، وفلق الحب والنوى فانفلقا عن النبات، وفلق الأرض فانفلقت عن كل ما أخرج منها، وهو كقوله عز وجل: (والأرض ذات الصدع)(3) صدعها فانصدعت، وفلق الظلام فانفلق عن الاصباح، وفلق السماء فانفلقت عن القطر، وفلق البحر لموسى عليه السلام فانفلق فكان كل فرق منه كالطود العظيم.

(القديم) القديم معناه أنه المتقدم للأشياء كلها، وكل متقدم لشئ يسمى قديما إذا بولغ في الوصف، ولكنه سبحانه قديم لنفسه بلا أول ولا نهاية، و سائر الأشياء لها أول ونهاية، ولم يكن لها هذا الاسم في بدئها، فهي قديمة من وجه و محدثه من وجه، وقد قيل: إن القديم معناه أنه الموجود لم يزل، وإذا قيل لغيره عز وجل: إنه قديم كان على المجاز لأن غيره محدث ليس بقديم.

(الملك) الملك هو مالك الملك قد ملك كل شئ، والملكوت ملك الله عز وجل زيدت فيه التاء كما زيدت في رهبوت ورحموت، تقول العرب: رهبوت خير من رحموت أي لأن ترهب خير من أن ترحم.
____________
(1) الأعراف: 89.
(2) سبأ: 26.
(3) الطارق: 12.

(القدوس) القدوس معناه الطاهر، والتقديس التطهير والتنزيه، وقوله عز وجل حكاية عن الملائكة: (ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك)(1) أي ننسبك إلى الطهارة، ونسبحك ونقدس لك بمعنى واحد(2)، وحظيرة القدس موضع الطهارة من الأدناس التي تكون في الدنيا والأوصاب والأوجاع وأشباه ذلك، وقد قيل: إن القدوس من أسماء الله عز وجل في الكتب.

(القوي) القوي معناه معروف وهو القوي بلا معاناة ولا استعانة.

(القريب) القريب معناه المجيب، ويؤيد ذلك قول عز وجل (فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(3) ومعنى ثان: أنه عالم بوساوس القلوب لا حجاب بينه وبينها ولا مسافة، ويؤيد هذا المعنى قوله عز وجل: (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)(4). فهو قريب بغير مماسة، بائن من خلقه بغير طريق ولا مسافة، بل هو على المفارقة لهم في المخالطة، والمخالفة لهم في المشابهة، وكذلك التقرب إليه ليس من جهة الطرق والمسائف، إنما هو من جهة الطاعة وحسن العبادة، فالله تبارك وتعالى قريب دان دنوه من غير سفل، لأنه ليس باقتطاع المسائف يدنو، ولا باجتياز الهواء يعلو، كيف وقد كان قبل السفل والعلو وقبل أن يوصف بالعلو والدنو.

(القيوم) القيوم والقيام هما فيعول وفيعال من قمت بالشئ إذا وليته بنفسك وتوليت حفظه وإصلاحه وتقديره، ونظيره قولهم: ما فيها من ديور ولا ديار.

(القابض) القابض اسم مشتق من القبض، وللقبض معان، منها: الملك يقال: فلان في قبضي، هذه الضيعة في قبضي، ومنه قوله عز وجل: (والأرض
____________
(1) البقرة: 30.
(2) في نسخة (ب) و (د)، (ونسبحك ونسبح لك بمعنى واحد).
(3) البقرة: 186.
(4) ق: 16.

جميعا قبضته يوم القيمة)(1) وهذا كقول الله عز وجل: (وله الملك يوم ينفخ في الصور)(2) وقوله عز وجل: (والأمر يومئذ لله)(3) وقوله عز وجل: (مالك يوم الدين)(4) ومنها: إفناء الشئ، ومن ذلك قولهم للميت: قبضه الله إليه، ومنه قوله عز وجل: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا)(5) فالشمس لا تقبض بالبراجم، والله تبارك وتعالى قابضها ومطلقها، ومن هذا قوله عز وجل: (والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون)(6) فهو باسط على عباده فضله، وقابض ما يشاء من عائدته وأياديه، والقبض قبض البراجم أيضا وهو عن الله تعالى ذكره منفي، ولو كان القبض والبسط الذي ذكره الله عز وجل من قبل البراجم لما جاز أن يكون في وقت واحد قابضا وباسطا لاستحالة ذلك، والله تعالى ذكره في كل ساعة يقبض الأنفس ويبسط الرزق ويفعل ما يريد.

(الباسط) الباسط معناه المنعم المفضل، قد بسط على عباده فضله وإحسانه، و أسبغ عليهم نعمه.

(قاضي الحاجات) القاضي اسم مشتق من القضاء، ومعنى القضاء من الله عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه منها هو الحكم والالزام، يقال: قضي القاضي على فلان بكذا أي حكم عليه به وألزمه إياه، ومنه قوله عز وجل: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه)(7) ووجه منها هو الخبر، ومنه قوله عز وجل: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب)(8) أي أخبرناهم بذلك على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووجه منها هو الاتمام، ومنه قوله عز وجل: (فقضيهن سبع سماوات في يومين)(9) ومنه قول الناس: قضى فلان حاجتي، يريد أنه أتم حاجتي على ما سألته.
____________
(1) الزمر: 67.
(2) الأنعام: 73.
(3) الانفطار: 19.
(4) الفاتحة: 4.
(5) الفرقان: 46.
(6) البقرة: 245.
(7) الإسراء: 23.
(8) الإسراء: 4.
(9) فصلت: 12.

(المجيد) المجيد معناه الكريم العزيز، ومنه قوله عز وجل: (بل هو قرآن مجيد)(1) أي كريم عزيز. والمجد في اللغة نيل الشرف، ومجد الرجل وأمجد لغتان وأمجده كرم فعاله، ومعنى ثان: أنه مجيد ممجد، مجده خلقه أي عظموه.

(المولى) المولى معناه الناصر ينصر المؤمنين ويتولى نصرهم على عدوهم و يتولى ثوابهم وكرامتهم، وولي الطفل هو الذي يتولى إصلاح شأنه، والله ولي المؤمنين وهو مولاهم وناصرهم، والمولى في وجه آخر هو الأولى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فعلي مولاه) وذلك على إثر كلام قد تقدمه وهو أن قال: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم(2)، قالوا: بلى يا رسول الله، قال من كنت مولاه أي من كنت أولى به منه بنفسه فعلي مولاه) أي أولى به منه بنفسه.

(المنان) المنان معناه المعطي المنعم، ومنه قوله عز وجل: (فامنن أو أمسك بغير حساب(3)) وقوله عز وجل: (ولا تمنن تستكثر)(4).

(المحيط) المحيط معناه أنه محيط بالأشياء عالم بها كلها، وكل من أخذ شيئا كله أو بلغ علمه أقصاه فقد أحاط به، وهذا على التوسع لأن الإحاطة في الحقيقة إحاطة الجسم الكبير بالجسم الصغير من جوانبه كإحاطة البيت بما فيه و إحاطة السور بالمدن، ولهذا المعنى سمي الحائط حائطا، ومعنى ثان يحتمل أن يكون نصبا على الظرف، معناه مستوليا مقتدرا، كقوله عز وجل: (وظنوا أنهم أحيط بهم(5)) فسماه إحاطة لهم لأن القوم إذا أحاطوا بعدوهم لم يقدر العدو على التخلص منهم.
____________
(1) البروج: 21.
(2) في نسخة (ج) (ألست أولى منكم بأنفسكم)، وفي البحار وفي البحار وفي نسخة (ط) و (ن) (ألست أولى بكم من أنفسكم).
(3) ص: 39.
(4) المدثر: 6.
(5) يونس: 22.

(المبين) المبين معناه الظاهر البين حكمته، المظهر لها بما أبان من بيناته وآثار قدرته، ويقال: بان الشئ وأبان واستبان بمعنى واحد.

(المقيت) المقيت معناه الحافظ الرقيب، ويقال: بل هو القدير.

(المصور) المصور هو اسم مشتق من التصوير، يصور الصور في الأرحام كيف يشاء، فهو مصور كل صورة، وخالق كل مصور في رحم ومدرك ببصر وممثل في نفس، وليس الله تبارك وتعالى بالصور والجوارح يوصف، ولا بالحدود والأبعاض يعرف، ولا في سعة الهواء بالأوهام يطلب، ولكن بالآيات يعرف، وبالعلامات و الدلالات يحقق، وبها يوقن، وبالقدرة والعظمة والجلال والكبرياء يوصف، لأنه ليس له في خلقه شبيه ولا في بريته عديل.

(الكريم) الكريم معناه العزيز، يقال: فلان أكرم علي من فلان أي أعز منه، ومنه قوله عز وجل: (إنه لقرآن كريم)(1) وكذلك قوله عز وجل: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)(2)، ومعنى ثان: أنه الجواد المفضل، يقال: رجل كريم أي جواد، وقوم كرام أي أجواد، وكريم وكرم مثل أديم وأدم.

(الكبير) الكبير السيد، يقال لسيد القوم: كبيرهم، والكبرياء اسم التكبر والتعظم.

(الكافي) الكافي اسم مشتق من الكفاية، وكل من توكل عليه كفاه ولا يلجئه إلى غيره.

(كاشف الضر) الكاشف معناه المفرج يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، والكشف في اللغة رفعك شيئا عما يواريه ويغطيه.

(الوتر) الوتر الفرد، وكل شئ كان فردا قيل: وتر.

(النور) النور معناه المنير، ومنه قوله عز وجل: (الله نور السماوات و الأرض)(3) أي منير لهم وآمرهم وهاديهم، فهم يهتدون به في مصالحهم كما يهتدون
____________
(1) الواقعة: 77.
(2) الدخان: 49.
(3) النور: 35.

في النور والضياء(1) وهذا توسع إذا لنور الضياء والله عز وجل متعال عن ذلك علوا كبيرا، لأن الأنوار محدثة، ومحدثها قديم لا يشبهه شئ، وعلى سبيل التوسع قيل: إن القرآن نور لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بالضياء في مسالكهم، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منيرا.

(الوهاب) الوهاب معروف وهو من الهبة يهب لعباده ما يشاء ويمن عليهم بما يشاء، ومنه قوله عز وجل: (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور)(2).

(الناصر) الناصر والنصير بمعنى واحد، والنصرة حسن المعونة.

(الواسع) الواسع الغني، والسعة الغنى، يقال: فلان يعطي من سعة أي من غنى، والوسع جدة الرجل وقدرة ذات يده، ويقال: أنفق على قدر وسعك.

(الودود) الودود فعول بمعنى مفعول كما يقال: هيوب بمعنى مهيب، يراد به، أنه مودود ومحبوب، ويقال: بل فعول بمعنى فاعل كقولك: غفور بمعنى غافر أي يود عباده الصالحين ويحبهم، والود والوداد مصدر المودة، فلان ودك ووديدك أي حبك وحبيبك.

(الهادي) الهادي معناه أنه عز وجل يهديهم للحق، والهدى من الله عز وجل على ثلاثة أوجه: فوجه هو الدلالة قد دلهم جميعا على الدين، والثاني هو الإيمان والإيمان هدى من الله عز وجل كما أنه نعمة من الله عز وجل، والثالث هو النجاة وقد بين الله عز وجل، أنه سيهدي المؤمنين بعد وفاتهم فقال: (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم)(3) ولا يكون الهدى بعد الموت والقتل إلا الثواب والنجاة، وكذلك قوله عز وجل: (إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم ((4) وهو ضد الضلال الذي هو عقوبة الكافر، وقال الله عز وجل: (ويضل الله الظالمين)(5) أي يهلكهم ويعاقبهم، وهو كقوله عز وجل:
____________
(1) في نسخة (ج) (كما يهتدون بالنور – الخ).
(2) الشورى: 49.
(3) محمد صلى الله عليه وآله: 5.
(4) يونس: 9.
(5) إبراهيم عليه السلام: 27.

(أضل أعمالهم)(1) أي أهلك أعمالهم وأحبطها بكفرهم.

(الوفي) الوفي معناه أنه يفي بعهدهم ويوفي بعهده، يقال: رجل وفي و موف، وقد وفيت بعهدك وأوفيت لغتان.

(الوكيل) الوكيل معناه المتولي أي القائم بحفظنا، وهذا هو معنى الوكيل على المال منا، ومعنى ثان أنه المعتمد والملجأ، والتوكل الاعتماد عليه و الالتجاء إليه.

(الوارث) الوارث معناه أن كل من ملكه الله شيئا يموت ويبقى ما كان في ملكه ولا يملكه إلا الله تبارك وتعالى.

(البر) البر معناه الصادق، يقال: صدق فلان وبر، ويقال: برت يمين فلان إذا صدقت، وأبرها الله أي أمضاها على الصدق.

(الباعث) الباعث معناه أنه يبعث من في القبور ويحييهم وينشرهم للجزاء والبقاء.

(التواب) التواب معناه أنه يقبل التوبة ويعفو عن الحوبة إذا تاب منها العبد، يقال: تاب العبد إلى الله عز وجل فهو تائب إليه(2) وتاب الله عليه أي قبل توبته فهو تواب عليه، والتوب التوبة، ويقال: اتأب فلان من كذا – مهموزا – إذا استحيى منه، ويقال: ما طعامك بطعام تؤبة أي لا يحتشم منه ولا يستحيى(3).

(الجليل) الجليل معناه السيد، يقال لسيد القوم: جليلهم وعظيمهم، و جل جلال الله فهو الجليل ذو الجلال والاكرام، ويقال جل فلان في عيني أي عظم، وأجللته أي عظمته(4).

(الجواد) الجواد معناه المحسن المنعم الكثير الإنعام والاحسان، يقال: جاد السخي من الناس يجود جودا، ورجل جواد، وقوم أجواد وجود أي أسخياء، ولا يقال لله عز وجل: سخي لأن أصل السخاوة راجع إلى اللين، يقال: أرض سخاوية وقرطاس سخاوي إذا كان لينا. وسمي السخي سخيا للينه عند الحوائج إليه.
____________
(1) محمد صلى الله عليه وآله وسلم: 1.
(2) في البحار وفي نسخة (ب) و (د) فهو ((تائب تواب إليه).
(3) التاء في المواضع الثلاثة مبدلة من الواو، فيطلب في اللغة في مادة (وأب).
(4) في نسخة (ب) و (و) (أي أعظمته).

(الخبير) الخبير معناه العالم، والخبر والخبير في اللغة واحد، والخبر علمك بالشئ، يقال: لي به خبر أي علم.

(الخالق) الخالق معناه الخلاق، خلق الخلائق خلقا وخليقة، والخليقة: الخلق، والجمع الخلائق، والخلق في اللغة تقديرك الشئ، يقال في المثل: إني إذا خلقت فريت لا كمن يخلق ولا يفري، وفي قول أئمتنا عليهم السلام: إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، وخلق عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير هو خلق تقدير أيضا، ومكون الطير وخالقه في الحقيقة هو الله عز وجل.

(خير الناصرين) خير الناصرين وخير الراحمين معناه أن فاعل الخير إذا كثر ذلك منه سمي خيرا توسعا.

(الديان) الديان هو الذي يدين العباد ويجزيهم بأعمالهم، والدين الجزاء، ولا يجمع لأنه مصدر، يقال: دان يدين دينا، ويقال في المثل: (كما تدين تدان) أي كما تجزي تجزى، قال الشاعر:
كما يدين الفتى يوما يدان به
من يزرع الثوم لا يقلعه ريحانا

(الشكور) الشكور والشاكر معناهما أنه يشكر للعبد عمله، وهذا توسع لأن الشكر في اللغة عرفان الاحسان، وهو المحسن إلى عباده المنعم عليهم، لكنه سبحانه لما كان مجازيا للمطيعين على طاعاتهم جعل مجازاته شكرا لهم على المجاز كما سميت مكافأة المنعم شكرا.

(العظيم) العظيم معناه السيد، وسيد القوم عظيمهم وجليلهم، ومعنى ثان: أنه يوصف بالعظمة لغلبته على الأشياء وقدرته عليها ولذلك كان الواصف بذلك معظما، ومعنى ثالث: أنه عظيم لأن ما سواه كله له ذليل خاضع فهو عظيم السلطان، عظيم الشأن، ومعنى رابع: أنه المجيد يقال: عظم فلان في المجد عظامة، والعظامة مصدر: الأمر العظيم، والعظمة من التجبر، وليس معنى العظيم ضخم طويل عريض ثقيل لأن هذه المعاني معاني الخلق وآيات الصنع والحدث وهي عن الله تبارك وتعالى منفية، وقد روي في الخبر أنه سمي العظيم لأنه خالق الخلق العظيم ورب العرش العظيم وخالقه.

(اللطيف) اللطيف معناه أنه لطيف بعباده فهو لطيف بهم، بار بهم، منعم عليهم واللطف البر والتكرمة، يقال: فلان لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافا، ومعنى ثان أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال: فلان لطيف العمل، وقد روي في الخبر أن معنى اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم.

(الشافي) الشافي معناه معروف وهو من الشفاء كما قال الله عز وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين)(1) فجملة هذه الأسماء الحسنى تسعة و تسعون اسما.

وأما (تبارك) (2) فهو من البركة وهو عز وجل ذو بركة وهو فاعل البركة وخالقها وجاعلها في خلقه، وتبارك وتعالى عن الولد والصاحبة والشريك وعما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد قيل: إن معنى قول الله عز وجل: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا)(3) إنما عنى به أن الله الذي يدوم بقاؤه وتبقى نعمه ويصير ذكره بركة على عباده واستدامة لنعم الله عندهم (هو الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) والفرقان هو القرآن وإنما سماه فرقانا لأن الله عز وجل فرق به بين الحق والباطل، وعبده الذي أنزل عليه ذلك هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسماه عبدا لئلا يتخذ ربا معبودا، وهذا رد على من يغلو فيه، وبين عز وجل أنه نزل عليه ذلك لينذر به العالمين وليخوفهم به من معاصي الله وأليم.
____________
(1) الشعراء: 80.
(2) المذكور في صدر الحديث.
(3) الفرقان: 1.

عقابه، والعالمون: الناس (الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا) كما قالت النصارى إذ أضافوا إليه الولد كذبا عليه وخروجا من توحيده (ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شئ فقدره تقديرا) يعني: أنه خلق الأشياء كلها على مقدار يعرفه وأنه لم يخلق شيئا من ذلك على سبيل سهو ولا غفلة ولا على تنحيب(1) ولا على مجازفة، بل على المقدار الذي يعلم أنه صواب من تدبيره وأنه استصلاح لعباده في أمر دينهم وأنه عدل منه على خلقه لأنه لو لم يخلق ذلك على مقدار يعرفه على سبيل ما وصفناه لوجد في ذلك التفاوت والظلم والخروج عن الحكمة وصواب التدبير إلى العبث والظلم والفساد كما يوجد مثل ذلك في فعل خلقه الذين ينحبون في أفعالهم ويفعلون من ذلك ما لا يعرفون مقداره، ولم يعن بذلك أنه خلق لذلك تقديرا يعرف به مقدار ما يفعله ثم فعل أفعاله بعد ذلك، لأن ذلك إنما يوجد من فعل من لا يعلم مقدار ما يفعله إلا بهذا التقدير وهذا التدبير، والله سبحانه لم يزل عالما بكل شئ، وإنما عنى بقوله: فقدره تقديرا أي فعل ذلك على مقدار يعرفه – على ما بيناه – وعلى أن يقدر أفعاله لعباده بأن يعرفهم مقدارها ووقت كونها و مكانها الذي يحدث فيه ليعرفوا ذلك، وهذا التقدير من الله عز وجل كتاب وخبر كتبه الله لملائكته وأخبرهم به ليعرفوه، فلما كان كلامه لم يوجد إلا على مقدار يعرفه لئلا يخرج عن حد الصدق إلى الكذب وعن حد الصواب إلى الخطأ، وعن حد البيان إلى التلبيس، كان ذلك دلالة على أن الله قد قدره على ما هو به وأحكمه وأحدثه فلهذا صار محكما لا خلل فيه ولا تفاوت ولا فساد.
____________
(1) نحب فلان في عمله جد، ونحب العمل فلانا أجهده، ونحب فلان أمرا نذره و أوجبه على نفسه، وفي نسخة (ب) و (د) و (و) (ولا على تنحيت) بالتاء المثناة في آخره.
وهو انضاء العمل العامل بسبب كثرته أو مشقته، وعلى هذه النسخة يقرء الفعل الآتي مجهولا كما يقرء مجهولا على المعنى الثاني.