عقائد الإمامية-1

عقائد الإمامية

تأليف: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

الجزء الأول

إلى الجزء الثاني


 

المقدمة
 الفصل الأول: معرفة الله والتوحيد
وجود القادر المتعال صفاته الجمالية والجلالية
ذاته المنزهة غير متناهية نفي التجسيم عنه
التوحيد روح التعاليم الإسلامية شُعب التوحيد
معجزات الأنبياء بإذن الله الملائكة
العبادة لله وحده خفاء كنه ذاته المقدسة
لا تعطيل ولا تشبيه  
الفصل الثاني: النبوة
فلسفة بعثة الأنبياء التعايش بين اتباع الأديان الإلهية
عصمة الأنبياء الأنبياء عباد الله
المعجزات وعلم الغيب مقام شفاعة الأنبياء
التوسل أصول دعوة الأنبياء واحدة
إخبار الأنبياء السالفين الأنبياء وإصلاح شئون الحياة
رفض العنصرية الإسلام والفطرة الإنسانية
الفصل الثالث: القرآن والكتب السماوية
فلسفة نزول الكتب السماوية القرآن أكبر معجزة للنبي محمد ص
عدم تحريف القرآن القرآن وحاجات الإنسان المادية والمعنوية
التلاوة والتدبر والعمل بحوث وتقويم
ضوابط تفسير القرآن أخطاء التفسير بالرأي
السنة المستلهمة من كتاب الله سنة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي واجبة الطاعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

1- إننا نعيش في عصر يجري فيه تحول عظيم مصدره أحد أكبر الرسالات السماوية ألا وهو الدين الإسلامي الذي يشهد في عصرنا ولادة أخرى جديدة، استيقظ على إثرها المسلمون وعادوا إلى أصولهم يبحثون عن حلول لمشاكلهم في مطاوي تعاليمه وأصوله وفروعه، بعد أن عجزت الأنظمة والتشريعات الوضعية عن تقديم الحلول الناجعة للمشكلات.

فما هو السبب الكامن وراء هذا التحول؟ إنه موضوع آخر، إلا أن المهم أن تأثيرات هذا التحول الجبار تلمس بوضوح في جميع البلدان الإسلامية، بل حتى خارج العالم الإسلامي، ولهذا يوجد لذا كثير من الناس طموح لمعرفة كلمة الإسلام، ورسالته الموجهة للعالم.

وحري بنا في مثل هذه الظروف الحساسة أن نوضح الإسلام كما هو دون أية إضافات أو شوائب، وبتعبير واضح: أن نسهل فهمه على عامة الناس، ونبين الحقيقة كما هي لنروي ظمأ الناس الذين يريدون اكتساب المزيد من المعرفة للإسلام ولمذاهبه، لكي لا نسمح للآخرين أن يتحدثوا بالنيابة عنا ويقرروا بدلاً منا.

2- مما لا ينكر أن في الإسلام – كسائر الرسالات السماوية – مذاهب مختلفة، لكل منها خصائصه العقائدية والعملية، غير أن هذه الاختلافات ليست بمستوى أن تمنع التقارب والتعاون بين أتباع هذا الدين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم؛ حيث يمكنهم بالتعاون الاحتفاظ بكيانهم ووجودهم أمام تيارات الشرق والغرب، وإحباط مخططات الأعداء للنيل منهم.

ولا ريب في أن مثل هذا التفاهم يحتاج تعميقاً لأسسه إلى مراعاة بعض الأصول والضوابط، ومن أهمها اطلاع الفرق الإسلامية بعضها على بعض بوضوح رؤية؛ لأن من شأن هذه المعرفة أن تمهد الطريق أمام التعاون والتفاهم وتمنع أي سوء فهم قد يحصل بينها.

ومن أفضل سبل المعرفة المتبادلة مطالعة عقائد كل مذهب في الأصول والفروع من علماء المذهب نفسه، وإلا فإن الاطلاع على معتقدات أي مذهب من خلال الجاهلين به أو بواسطة العدو يحجب عن الوصول إلى الهدف ويؤدي إلى الافتراق بدلاً عن الاتحاد.

3- بلحاظ النقطتين المذكورتين آنفاً بادرنا إلى جمع معتقدات المذهب الشيعي بأصوله وفروعه وخصوصياته في هذا الكتاب المختصر الذي يتسم بالخصائص التالية:

أنه يمثل عصارة لجميع مواضيع المذهب الضرورية. ويرفع عن كاهل القارئ مشقة مراجعة كتب عديدة.

بحوثه واضحة بعيدة عن أي لبس أو إبهام أو غموض وقد تجنبنا استخدام المصطلحات الخاصة بالأجواء العلمية والحوزوية الخاصة بطلاب العلوم الشرعية دون أن يؤثر ذلك في عمق البحوث الواردة فيه.

رغم أن الهدف هو ذكر العقائد دون بيان دلائلها، إلا أن البحوث اقترنت في المواقع الحساسة بالأدلة من الكتاب والسنة والعقل، ما سمحت لنا طبيعة هذا المؤلَّف المختصر بذلك.

ابتعدنا عن أسلوب المجاملة أو الحكم مسبقاً على الآخرين، لكي يعكس الكتاب الحقائق كما هي.

مراعاة الأدب وعفة القلم حيال المذاهب الأخرى في جميع البحوث.

وأخيراً فإن الكتاب أعد وفق المنهج المذكور لدى حج بيت الله الحرام، حيث يلهم الله المرء صفاءً أوفر، وروحاً أزكى وأطهر، ثم تمت مناقشة بحوثه بحضور جمع من العلماء وفي جلسات عديدة حتى أكمل بإذن الله تعالى وتوفيقه.

نرجو أن نكون قد أفلحنا في بلوغ الأهداف المشار إليها، ليصبح ذخراً لنا في معادنا.

(ربنا إننا سمعنا منادياً للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) سورة آل عمران/193.

محرم الحرام 1417هـ

قم المقدسة

ناصر مكارم الشيرازي


الفصل الأول

معرفة الله والتوحيد

1- وجود القادر المتعال:

إننا نعتقد بأن الله تعالى هو الذي خلق عالم الوجود، حيث تتجلى آثار عظمته وعلمه وقدرته في جميع الكائنات؛ في عالم الإنسان، وفي عالم الحيوان والنبات، وفي نجوم السماوات والعوالم العليا، وفي كل مكان.

إننا نعتقد أنه كلما تدبرنا في أسرار الكائنات أدركنا عظمة ذاته المنزهة وسعة علمه وقدرته، وكلما تقدم العلم البشري فتحت أمامنا أبواب جديدة من علمه وحكمته وانطلق تفكيرنا إلى مديات أوسع وآفاق أعظم؛ وهذا التفكير سيزيد من حبنا لذاته المقدسة ويقربنا منه ويحيطنا بنور جلاله وجماله.

قال تعالى: (وفي الأرض آيات للموقنين * وفي أنفسكم أفلا تبصرون) الذاريات/20و21.

وقال جل من قائل: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً…) آل عمران/190-191.


2- صفاته الجمالية والجلالية:

إننا نعتقد أن ذاته منزهة عن كل عيب ونقص، وتتصف بجميع الكمالات، بل هو الكمال المطلق ومطلق الكمال. وبعبارة ثانية: أن كل كمال وجمال في هذا العالم مستل من ذاته المنزهة: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) الحشر/23-24.

والصفات المذكورة في هاتين الآيتين الكريمتين تمثل بعض الصفات الجمالية والجلالية الإلهية.


3- ذاته المنزهة غير متناهية:

إننا نعتقد أنه وجود غير متناه من حيث العلم والقدرة والحياة الأبدية؛ ولهذا لا يمكن حصره في الزمان والمكان، لأنهما محدودان، وإنما هو حاضر في كل زمان ومكان لأنه فوقهما: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم) الزخرف/84.

(وهو معكم أينما كنتم واله بما تعملون بصير) الحديد/4.

إنه أقرب إلينا من أنفسنا، فهو في أعماق نفوسنا، وفي كل مكان، ومع ذلك فهو لا يحد بمكان: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) ق/16.

(هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) الحديد/3.

ولا تعني بعض الآيات الكريمة من قبيل: (ذو العرش المجيد) البروج/15، و (الرحمن على العرش استوى)(1) أن له مكاناً خاصاً به تعالى، وإنما تثبت هذه الآيات حاكميته وسلطته على كل العالم المادي وعالم ما وراء الطبيعة؛ لأننا إذا حددنا له مكاناً خاصاً فقد حددناه ووصفناه بصفات المخلوقات، واعتبرناه مثل سائر الأشياء، والحال أنه ليس مثلها، كما قال تعالى عن نفسه: (ليس كمثله شيء) الشورى/11.

و (لم يكن له كفؤاً أحد) التوحيد/4.


4- نفي التجسيم عنه:

إننا نعتقد بأنه تبارك وتعالى لا يمكن رؤيته، لأن الشيء الذي يرى بالعين هو جسم ولا بد له من مكان ولون وشكل وجهة، وهذه كلها من صفات المخلوقات، والله تعالى أعظم من أن يتصف بصفات مخلوقاته؛ وعليه فإن الاعتقاد بإمكان رؤية الله هو نوع من الشرك: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) الأنعام/103.

ولهذا فإن موسى (عليه السلام) لما طلب منه بنو إسرائيل رؤية الله شرطاً للإيمان: (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً) البقرة/55، أخذهم موسى إلى جبل الطور، فسمع من الله تعالى الجواب التالي: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف/143؛ إذ تكشف الآية الكريمة عن أنه لا يمكن رؤية الله تعالى مطلقاً.

إننا نعتقد أن المراد من بعض الآيات والروايات التي تتحدث عن رؤية الله تبارك وتعالى، هي الرؤية القلبية والشهود الباطن؛ ذلك أن القرآن يفسر بعضه بعضا(2).

ويقول أمير المؤمنين علي عليه السلام في جواب من سأله: (يا أمير المؤمنين، هل رأيت ربك…؟)، يقول: (أأعبد ما لا أرى؟). ثم قال: (لا تدركه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان)(3).

إننا نعتقد أن وصف الله بصفات المخلوقات من قبيل المكان والجهة والجسمية والمشاهدة والرؤية، يؤدي إلى الابتعاد عن معرفة الله تبارك وتعالى، وإلى الشرك به. أجل، فهو تعالى أعظم من كل صفات المخلوقات، وليس كمثله شيء.


5- التوحيد روح التعاليم الإسلامية:

إننا نعتقد أن التوحيد من أهم الأمور التي يمكن من خلال معرفتها التوصل إلى معرفة الله؛ والتوحيد ليس أصلاً من أصول الدين فحسب، وإنما هو روح جميع العقائد الإسلامية وجوهرها، ويمكن القول بتمام الصراحة: أن أصول الإسلام الناصعة تتضمن كلاماً عن التوحيد والوحدة؛ وحدة ذاته المنزهة وتوحيد صفاته وأفعاله، وبتفسير آخر: وحدة دعوة الأنبياء ووحدة الدين الإلهي، ووحدة القبلة والكتاب، ووحدة الأحكام والقوانين الإلهية لجميع بني البشر، وأخيراً وحدة صفوف المسلمين ووحدة يوم المعاد.

وما يؤكد أهمية هذه الوحدة وهذا التوحيد هو التعبير القرآني الذي يعدّ الانحراف عن التوحيد والاتجاه نحو الشرك ذنباً لا يغفر: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً) النساء/48.

وقال تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) الزمر/65.


6- شُعب التوحيد:

إننا نعتقد أن للتوحيد شعباً كثيرة، من أهمها الأربعة التالية:

أ- توحيد الذات:

بمعنى أن ذاته عز وجل واحدة لا نظير لها ولا مثيل ولا شبيه.

ب- توحيد الصفات:

بمعنى أن صفات العلم والقدرة والأزلية ونحوها مجموعة في ذاته وعين ذاته الواحدة، وهي ليست كصفات المخلوقات المستقلة عن بعضها، والمنفصلة عن ذواتهم؛ وبطبيعة الحال فإن عينية ذاته تعالى مع صفاته تتطلب نوعاً من الدقة الفكرية.

ج- توحيد الأفعال:

بمعنى أن أي فعل وحركة وأثر في عالم الوجود ناجم عن إرادة الله ومشيئته: (الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) الزمر/62. و (له مقاليد السماوات والأرض) الشورى/12.

نعم؛ فلا مؤثر في الوجود إلا الله، ولكن هذا لا يعني أننا مجبرون على أفعالنا التي نقوم بها، بل إننا أحرار في الإرادة واتخاذ الموقف: (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا) الإنسان/30.

(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) النجم/39

تبين الآيتان الكريمتان بوضوح أن الإنسان حر في إرادته، ولكن الله تبارك وتعالى هو الذي أعطى هذه الحرية والقدرة على أداء العمل واتخاذ الموقف؛ وعليه فإن أعمالنا تسند إليه دون أن يقلل ذلك من مسئوليتنا إزاء هذه الأعمال.

بلى، فهو أراد لنا أن نؤدي أعمالنا بحرية ليبتلينا ويضعنا على طريق التكامل؛ لأن الإنسان لا يتكامل إلا بحرية الإرادة وسلوك طريق الطاعة بمحض الاختيار؛ ذلك أن العمل القسري الخارج عن حرية الاختيار لا يمكن أن يدل على صلاح المرء أو فساده.

فلو كنا مجبرين على أفعالنا، لانتفى أي معنى ومفهوم لبعثة الأنبياء ونزول الكتب السماوية وفرض التكاليف الدينية، ولفقد الثواب والعقاب الإلهي أي محتوى له؛ وهذا هو ما تعلمناه من مدرسة أهل بيت النبي عليهم السلام: (أنه لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين)(4).

د- توحيد العبادة:

ويعني أن العبادة خاصة لله، وليس هناك من معبود سوى ذاته المقدسة، وتعتبر هذه الشعبة من أهم شعب التوحيد وأكثر ما شغلت اهتمام الأنبياء: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء… وذلك دين القيمة) البينة/5.

وعندما يطوي الإنسان مراحل التكامل الأخلاقي والعرفان يتعمق عنده مفهوم التوحيد، ويصل إلى مستوى لا يفكر فيه إلا بالله ويطلبه أينما حل وارتحل، ولا يشغل نفسه بما سواه: (كلما شغلك عن الله فهو صنمك).

إننا نعتقد أن شعب التوحيد غير محدودة بما ذكرنا، وإنما هناك فروع أخرى منها توحيد الملكية مثلا: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) البقرة/284.


7- معجزات الأنبياء بإذن الله:

إننا نعتقد أن مبدأ التوحيد الأفعالي يؤكد حقيقة مفادها أن المعجزات الصادرة عن الأنبياء والأفعال الخارقة للطبيعة كلها بإذن الله تعالى، كما ورد في القرآن الكريم حول السيد المسيح عليه السلام: (وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني) المائدة/44.

وأيضاً ورد في أحد وزراء سليمان: (وقال الذي عند علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربي) المائدة/110.

وعليه فإن إبراء السيد المسيح عليه السلام للأكمه والأبرص وإخراج الموتى بإذن الله تعالى هو عين التوحيد.


8- الملائكة:

إننا نعتقد بوجود الملائكة الذين كلف الله تعالى كلاً منهم بمهمة تخصه، فمنهم من كلف بإبلاغ الوحي للأنبياء كما ذكر في سورة النمل/40. ومنهم من كلف بتسجيل أفعال البشر (البقرة/97). ومنهم من كلف بقبض الأرواح (الانفطار/10). ومنهم من أعطي مهمة إعانة المؤمن المستقيم (الأعراف/37). ومنهم مكلف بإمداد المؤمنين في المعارك (فصلت/30). ومنهم مكلف بمعاقبة العصاة والمتمردين (الأحزاب/9)، وغيرها من التكاليف المهمة في نظام التكوين.

ولا تتنافى هذه المهام التي تؤديها الملائكة مع مبدأ التوحيد الأفعالي والتوحيد الربوبي، بل تؤكده، لأنها جارية بإذن الله وبحوله وقوته.

وهنا يتضح أن مسألة شفاعة الأنبياء عليهم السلام والمعصومين والملائكة هي عين التوحيد؛ لأنها لا تتم إلا بإذنه: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه)(5).

وسنوافيكم بالمزيد من الشرح حول هذه المسألة ومسألة التوسل في بحث النبوة من هذا الكتاب.


9- العبادة لله وحده:

إننا نعتقد أن العبادة لله تعالى وحده (وقد أشرنا إلى ذلك في بحث توحيد العبادة) في الصفحات السابقة، ومن يعبد غيره فهو مشرك، وقد تركزت دعوة كل الأنبياء حول هذا المحور: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وورد هذا التعبير القرآني في آيات عديدة من الكتاب المجيد على لسان الأنبياء (يونس/3).

وهذا الشعار الإسلامي المهم يتردد على ألسنتنا يومياً عدة مرات في الصلاة، حينما نقول في سورة الحمد: (إياك نعبد وإياك نستعين).

ومن الواضح أن اعتقادنا بشفاعة الأنبياء والملائكة بإذن الله، الأمر الذي ورد في آيات القرآن الكريم، لا يعني العبادة، كما أن التوسل بالأنبياء لا يدخل في عداد العبادة ولا ينافي توحيد الأفعال أو توحيد العبادة؛ لأنه يعني الطلب من المتوسل به أن يسأل الله تبارك وتعالى حلاً لمشكلة المتوسِل، وهذا ما سيأتي شرحه في مبحث النبوة.


10- خفاء كنه ذاته المقدسة:

إننا نعتقد أن حقيقة الذات الإلهية المقدسة خافية على الجميع رغم كثرة آثار وجوده في العالم، ولا يستطيع أحد – أياً كان – أن يفقه كنه ذاته؛ لأن هذه الذات أزلية لا نهاية لها من جميع الوجوه، والإنسان محدود ومتناه لا يمكنه الإحاطة بالله وهو المحيط بكل شيء: (ألا إنه بكل شيء محيط) فصلت/54.

(والله من ورائهم محيط) البروج/20.

وجاء في الحديث النبوي الشريف: (ما عبدناك حق عبادتك وما عرفناك حق معرفتك) البحار 68: 23.

وهنا يجب ألا نقع في خطأ، وهو الكف عن دراسة العلم الإجمالي بالله، والتوقف عن ذكر بعض الألفاظ التي نمر عليها دون أن نتمكن من فهم المقصود منها؛ بحجة أننا محرومون من تحصيل العلم التفصيلي به تعالى، لأن ذلك هو سد لباب معرفة الله، وهو ما لا نعتقد به و لا نرتضيه؛ لأن القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية نزلت لفتح باب معرفة الله. ولتوضيح ذلك يمكننا الاستعانة بأمثلة كثيرة، منها أننا لا نعلم حقيقة الروح، لكننا على معرفة إجمالية بها، نلاحظ آثارها ونعترف بوجودها.

يقول الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام: (كل ما ميز تموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم)(6).

ويبين الإمام علي عليه السلام طريق معرفة الله بتعبير جميل واضح فيقول: (لم يطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته)(7).


11- لا تعطيل ولا تشبيه:

أننا نعتقد أن الوقوع في وادي (التشبيه) هو خطأ وشرك، كما أن تعطيل معرفة الله وصفاته هو خطأ أيضاً؛ بمعنى أننا لا نستطيع القول بأن الطريق إلى معرفة الله مغلق، كما لا يمكن أن نعده تعالى شبيهاً بالمخلوقات، فأحد النهجين إفراط والآخر تفريط، بل الحق هو إمكان معرفته تعالى من طريق آثاره في جميع عوالم الوجود.


1- يستفاد من بعض الآيات القرآنية أن كرسيه تعالى يسع جميع السماوات والأرض؛ وعليه فإن عرشه يستوي على كل العالم المادي: (وسع كرسيه السماوات والأرض) البقرة/255.

2- هذه عبارة معروفة، نقلها ابن عباس، ولكن جاءت بشكل آخر في نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (إن الكتاب يصدق بعضه بعضا…) نهج البلاغة/الخطبة 18، وورد في الخطبة 103 من النهج أيضاً: (وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض).

3- نهج البلاغة/الخطبة 179.

4- أصول الكافي1: 160 (باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين).

5- بحار الأنوار 68: 23.

6- بحار الأنوار 66: 293

7- نهج البلاغة، خ49


الفصل الثاني

النبوة

12- فلسفة بعثة الأنبياء:

إننا نعتقد أن الله تبارك وتعالى بعث الأنبياء والرسل لهداية الإنسان وإيصاله إلى الكمال المطلوب والسعادة الخالدة؛ ذلك أن الهدف من خلق الإنسان ما كان ليتحقق لو لم يبعث الله رسله فلو لا ذلك لغرق الإنسان في أوحال الضلال: (رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً) النساء/165.

إننا نعتقد أن خمسة فقط من بين الرسل المبعوثين هم (أولوا العزم) أي أصحاب شريعة جديدة وكتاب سماوي جديد، أولهم نوح عليه السلام والبقية كما في هذه الآية هم: (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك، ومن نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقاً غليظا) الأحزاب/7.

(فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل) الأحزاب/7.

إننا نعتقد أن محمداً صلى الله عليه وآله هو خاتم الأنبياء وآخر الرسل، وشريعته موجهة لجميع الناس وباقية ما بقي العالم، بمعنى أن المعارف والأحكام والتعاليم الإسلامية من الشمولية بحيث تلبي كل حاجات الإنسان المعنوية والمادية مدى الدهر، وكل دعوة جديدة للنبوة والرسالة هي دعوة باطلة مرفوضة: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) الأحقاف/35.


13- التعايش بين اتباع الأديان الإلهية:

أننا نعتقد أن الدين الإسلامي هو الدين الرسمي الإلهي الوحيد في هذا الزمن، ونعتقد في الوقت ذاته بوجوب التعايش السلمي مع أتباع الأديان السماوية الأخرى، سواء عاشوا في البلاد الإسلامية أو خارجها، إلا من رفع لواء محاربة الإسلام والمسلمين: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) الأحزاب/40.

إننا نعتقد أنه يمكن تبيين حقيقة الإسلام وتعاليمه للجميع من خلال البحث المنطقي والنقاش الموضوعي، ونعتقد بأن قابلية الاستقطاب والجذب في الإسلام من القوة بحيث يمكن لفت الأنظار نحوه وكسب الناس إليه إذا جرى توضيحه بشكل صحيح، لا سيما في عالم اليوم حيث يكثر الإقبال عليه لوعي رسالته.

ولهذا فإننا نعتقد بأن الإسلام يجب ألا يفرض على الآخرين قسراً: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) الممتحنة/8.

إننا نعتقد أن التزام المسلمين بتعاليم الدين هو أسلوب آخر لتعريف الإسلام، كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (كونوا دعاةً لنا بغير ألسنتكم)، ولا ضرورة للإجبار والقسر والإكراه.


14- عصمة الأنبياء:

إننا نعتقد أن جميع الأنبياء معصومون على مدى أعمارهم (قبل النبوة وبعدها)، ومصونون من الخطأ، والاشتباه، والذنب، وذلك بالتأييد الإلهي؛ لأن النبي إذا ارتكب الخطأ أو الذنب سلبت منه الثقة اللازمة لمنصب النبوة، وعندئذ لا يمكن للناس أن يثقوا بوساطته بينهم وبين الله، ولكي يعدوه أسوة لهم وإماماً في كل أعمالهم وسلوكهم.

ولهذا فإننا نعتقد أن ما يبدو من ظواهر بعض الآيات القرآنية من أن بعض الأنبياء ارتكبوا المعاصي، هو من قبيل ترك الأولى (بمعنى اختيار العمل الأقل صلاحاً من بين عملين صالحين، في حين كان من الأولى اختيار الأصلح)، أو بتعبير آخر هو من قبيل: (حسنات الأبرار سيئات المقربين)(1) – لأنه ينتظر من كل شخص أن يقوم بالعمل الذي يناسب مقامه.


15- الأنبياء عباد الله:

إننا نعتقد أن أعظم فخر للأنبياء والرسل هو كونهم عباداً مطيعين لله، ولهذا فإننا نكرر في صلواتنا اليومية شهادة أن محمداً صلى الله عليه وآله عبد الله ورسوله: (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

إننا نعتقد أن أحداً من الأنبياء لم يدع الألوهية، ولم يدعُ الناس إلى عبادته: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله) آل عمران/79.

والسيد المسيح عليه السلام أيضاً لم يدع الناس إلى عبادته، وكان يعتبر نفسه عبداً لله ورسولا: (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقربون) النساء/172.

أما مسألة التثليث في الدين المسيحي (الاعتقاد بالآلهة الثلاث)، فلم يكن له وجود في القرن الميلادي الأول كما تشهد على ذلك التواريخ المسيحية المعاصرة، وإنما ظهرت هذه الفكرة فيما بعد.


16- المعجزات وعلم الغيب:

لا تمنع كون الأنبياء عباداً لله أن يطلعوا على غيب الماضي والحاضر والمستقبل بإذن الله: (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول) الجن/26-27.

وإننا نعلم أن من معجزات السيد المسيح عليه السلام أن كان ينبئ الناس ببعض الأمور الخفية: (وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم) آل عمران/49.

كما كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله يكشف عن الكثير من الأخبار الغيبية بالوحي الإلهي: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) يوسف/102.

وعليه، ليس ثمة مانع يمنع الأنبياء من الإخبار بالغيب عن طريق الوحي وبإذن الله؛ أما نفي بعض الآيات القرآنية الغيب عن رسول الله من قبيل الآية: (ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك) الأنعام/50، فالمراد بذلك العلم الذاتي الاستقلالي وليس العلم المكتسب من الوحي الإلهي، لأن الآيات القرآنية تفسر بعضها بعضاً.

إننا نعتقد أن المعاجز التي تصدر عن الأنبياء كلها كانت بإذن الله تعالى، والاعتقاد بهذا المر ليس شركاً ولا يتناقض مع مقام العبودية لدى الأنبياء، فالسيد المسيح عليه السلام كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله: (وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله) آل عمران/49.


17- مقام شفاعة الأنبياء:

إننا نعتقد أن للأنبياء ولا سيما للنبي محمد صلى الله عليه وآله مقام الشفاعة؛ إذ يشفعون لبعض المذنبين عند الله بإذنه: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) يونس/3.

(من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) البقرة/255.

وإذا نفت بعض الآيات القرآنية الشفاعة مطلقاً كقوله تعالى: (من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) النساء/64، فهي الشفاعة الاستقلالية بغير إذن الله تعالى، أو شفاعة من ليس بمستوى الشفاعة؛ لأن الآيات القرآنية – كما أسلفنا – يفسر بعضها بعضاً.

إننا نعتقد أن مسألة الشفاعة وسيلة مهمة لتربية الأفراد، وإعادة العاصين إلى الطريق القويم، والتشجيع على التقوى وإحياء الأمل في القلوب؛ لأن الشفاعة لا تكون عملية فوضوية، وإنما تشمل من يستحقها، بمعنى أن معاصيه قد لا تبلغ الحد الذي تنقطع فيه العلاقة نهائياً بين العاصي والشفيع؛ وعليه فالشفاعة تعتبر تحذير للمذنبين من أن يهدموا كافة الجسور من خلفهم، فلا يتركوا طريقاً للعودة، ولكي لا يفقدوا صلاحية الشفاعة حينئذ تماماً.


18- التوسل:

إننا نعتقد أن مسألة (التوسل) هي كقضية (الشفاعة) تتيح لأصحاب المشاكل المادية والمعنوية التوسل إلى أولياء الله ليسألوا الله حل مشكلاتهم بإذنه تعالى، إي إنهم يتجهون إلى الله تبارك وتعالى جاعلين أولياءه وسيلة إليه تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما) يوسف/97-98.

ونقرأ في قصة يوسف عليه السلام أن اخوته توسلوا إلى أبيهم (قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين) يوسف/97، فما كان من أبيهم الشيخ الكبير يعقوب النبي عليه السلام إلا أن وافق على هذا الطلب وقال: (سوف استغفر لكم ربي) يوسف/98، وهذا دليل على أن التوسل كان سائداً في الأمم السالفة.

ولكن يجب عدم تجاوز الحد المنطقي والاستغراق في هذه العقيدة، وإضفاء الاستقلالية على أولياء الله في التأثير وتصور إمكانية الاستغناء عن الله وإرادته ومشيئته وإذنه، فذلك يؤدي إلى الشرك والكفر.

كما أن التوسل يجب أن لا يتخذ شكل العبادة للأولياء؛ لأن ذلك من الكفر والشرك أيضاً، لأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً دون إذن الله: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله).

ويلاحظ بين طوائف من عوام جميع الفرق الإسلامية حالة الإفراط والتفريط في مسألة التوسل، الأمر الذي يتطلب إرشادهم وهدايتهم من قبل علمائهم ومفكريهم.


19- أصول دعوة الأنبياء واحدة:

إننا نعتقد أن جميع الأنبياء الربانيين كانوا يتطلعون إلى هدف واحد هو سعادة الإنسانية عن طريق الإيمان بالله ويوم القيامة والتعليم والتربية الدينية الصحيحة، وتعزيز الأسس الأخلاقية في المجتمعات البشرية؛ ولهذا فإننا نحترم جميع الأنبياء، وهو ما ربانا القرآن الكريم عليه: (لا نفرق بين أحد من رسله) البقرة/285.

وقد تكاملت الرسالات السماوية تدريجياً وتعمقت التعاليم الربانية بمضي الزمان واستعداد النوع البشري لتلقي هذه التعاليم، حتى جاء دور أكمل الرسالات الإلهية وآخرها ألا وهو الدين الإسلامي: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة/3.


20- إخبار الأنبياء السالفين:

إننا نعتقد أن كثيراً من الأنبياء السالفين أنبأوا بظهور الأنبياء الذين جاءوا من بعدهم، وقد أخبر موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام بمجيء نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وبشروا به، حيث تتضمن بعض كتبهم ذلك حتى يومنا هذا: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل… أولئك هم المفلحون) الأعراف/157.

ولهذا ينقل لنا التاريخ أن مجموعات من اليهود كانت تتردد على المدينة قبل ظهور الدين الإسلامي انتظاراً له؛ لأن كتبهم كانت تتحدث عن انبعاث دين جديد من هذه الأرض المقدسة، وقد آمن بعضهم بالفعل بعد الإعلان عن الدين في حين عارض آخرون ممن تعرضت مصالحهم للخطر.


21- الأنبياء وإصلاح شئون الحياة:

إننا نعتقد أن الرسالات السماوية التي أنزلت على الأنبياء، ولا سيما الدين الإسلامي، لم تأت لإصلاح الحياة الفردية فحسب، ولم تتخصص في القضايا المعنوية والأخلاقية فقط، وإنما تهدف إصلاح جميع الشئون الاجتماعية؛ وقد تعلم الناس كثيراً من العلوم المطلوبة في الحياة اليومية من الأنبياء، الأمر الذي أشار إليه القرآن الكريم في بعض آياته.

ونعتقد أيضاً أن من أهم أهداف الأنبياء إقامة العدالة الاجتماعية في المجتمع البشري: (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) الحديد/25.


22- رفض العنصرية:

إننا نعتقد أن الأنبياء، ولا سيما خاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كانوا يرفضون كل أنواع التمييز العنصري والقومي، وإنما ينظرون إلى جميع الأمم والأقوام واللغات والأجناس نظرة واحدة؛ ويخاطب القرآن الكريم كل صنوف البشر بالقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) الحجرات/13.

وروي في الحديث المعروف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله في منى في موسم الحج والناس ملتفون حوله: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: ليبلغ الشاهد الغائب)(2).


23- الإسلام والفطرة الإنسانية:

إننا نعتقد أن بذور الإيمان بالله والتوحيد وتعاليم الأنبياء وجدت بشكل فطري في أعماق جميع بني البشر، سقاها الأنبياء بمياه الوحي الإلهي، وأبعدوا عنها أشواك الشرك والانحراف: (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الروم/30.

ولهذا وجد الدين مع الإنسان على مدى التاريخ، أما الفكر اللاديني فكان استثناء – حسب ما يعتقد المؤرخون – ولوحظ أيضاً أن الشعوب التي تعرضت لضغوط إعلامية شديدة لفصمها عن دينها، سرعان ما عادت إليه مع حصولها على الحرية، وهنا لا يمكن أن ننكر أثر الاعتقاد بالخرافات على تدني المستوى الثقافي لدى بعض الأقوام، وكان الأنبياء عليهم السلام يؤدون دوراً مهماً في طرد هذه الخرافات عن الرسالات السماوية والفطرة الإنسانية.


1- نقل الشيخ المجلسي هذه العبارة في كتابه بحار الأنوار عن بعض المعصومين دون أن يذكر اسمه (البحار 25: 205)

2- تفسير القرطبي 9: 6162.


الفصل الثالث

القرآن والكتب السماوية

24-فلسفة نزول الكتب السماوية:

إننا نعتقد أن الله عز وجل أنزل كتباً سماوية عديدة لهداية الجنس البشري، ومنها صحف إبراهيم ونوح والتوراة والإنجيل، والقرآن المجيد وهو الأشمل من غيره؛ ولو لم تنزل هذه الكتب لأخطأ الإنسان في مساره نحو معرفة الله وعبادته، ولابتعد عن أصول التقوى والأخلاق والتربية والقوانين الاجتماعية التي يحتاجها.

وقد نزلت هذه الكتب السماوية على القلوب رحمة، وانبتت في الإنسان بذور التقوى والأخلاق ومعرفة الله والعلم والحكمة: (آمن الرسول بما أُنزل إليه من ربه والمؤمنون كلٌ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)المائدة/15-16.

لكن مما يؤسف له أنه جرى تحريف للكثير من الكتب السماوية بأيدي بعض الجهلة والمغرضين، وأُدخلت فيها أفكار سقيمة، إلا أن القرآن المجيد لم تمتد له يد التحريف لأسباب سنأتي إلى ذكرها، وبقي كالشمس الساطعة يضيء القلوب في كل الأزمنة: (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين*يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام)الإسراء/88.


25-القرآن أكبر معجزة للنبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم):

إننا نعتقد أن القرآن هو أهم معاجز النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، ليس من ناحية فصاحته وبلاغته وجمال بيانه وكمال معانيه فحسب، وإنما لانطوائه على معاجز أخرى في مختلف إبعاده ورد شرحها في كتب العقائد والكلام.

ولهذا فإننا نعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يأتي بمثله أو بسورة من مثله، وقد تحدى القرآن في مواضع عديدة من كان ينظر إليه بشك وتردد، دون أن يستطيع أحد أن يواجه هذه التحدي: (قُل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان لبعضٍ ظهيراً)البقرة/23.

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين) البقرة/23.

(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين) البقرة/23.

ونعتقد أن القرآن لا يبلى بمضي الزمان، بل يتجلى إعجازه وتتضح عظمته أكثر فأكثر.

فقد ورد في حديث الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولناس دون ناس؛ فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة).


26- عدم تحريف القرآن:

إننا نعتقد أن القرآن الذي يتداوله المسلمون حالياً هو نفسه الذي نزل على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، دون أن يضاف عليه أو يحذف منه شيء.

فمنذ الأيام الأولى لنزول الوحي كان كتّابه يدونونه، حين كان المسلمون مكلفين بتلاوة الآيات النازلة آناء الليل وأطراف النهار، وفي صلواتهم الخمس، ولهذا حفظها عن ظهر القلب عدد كبير من المسلمين؛ وقد حظي حفاظ القرآن وقراؤه بمكانة خاصة في المجتمعات الإسلامية؛ وهذه الأمور وغيرها أدت إلى صيانة القرآن من التحريف والتغيير، بالإضافة إلى أن الله سبحانه وتعالى ضمن حفظ القرآن إلى الأبد فلا يمكن أن تمسه يد التحريف والتغيير مطلقاً: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)الحجر/9.

وأجمع الباحثون وكبار علماء الإسلام من الشيعة والسنة على أن القرآن لم يتعرض للتحريف، ولم يقل بالتحريف إلا القلة من الفريقين بسبب اعتقادهم ببعض الروايات التي اعتبرها علماؤهم إما ((موضوعة))، رافضين هذا الرأي بصورة قاطعة، أو أنها تقصد التحريف المعنوي، أي التفسير الخاطئ لآيات القرآن، أو اعتبروا حصول خلط لدى القائلين بالتحريف بين التفسير والنص القرآني، فتدبر.

إن أصحاب القصور الفكري الذين ينسبون الاعتقاد بتحريف القرآن إلى جماعة من الشيعة أو غير الشيعة، وهو ما عارضه بصراحة كبار علماء الشيعة والسنة، يوجهون – من دون إلتفات – ضربة للقرآن الكريم، ويضعون علامة استفهام أمام صحة هذا الكتاب السماوي العظيم، ويقدمون خدمة كبيرة للأعداء والمتربصين بهذا الدين.

إن مطالعة المسار التاريخي لجمع القرآن منذ عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والاهتمام الشديد الذي يوليه المسلمون لكتابة القرآن وحفظه وتلاوته، ووجود كتاب الوحي منذ الأيام الأولى لنزوله، تكشف عن حقيقة مفادها أن يد التحريف لم تستطع أن تمتد إلى القرآن أبداً.

كما أن لا يوجد أي قرآن آخر عند الشيعة غير هذا المتداول بين أيدي المسلمين، وليس من الصعوبة بمكان تقصي هذا الأمر والتحقق فيه؛ لن القرآن يملأ بيوتنا ومساجدنا ومكتباتنا، بل تحفظ متاحفنا الكثير من النسخ القرآنية المخطوطة منذ قرون، وهذا النسخ كلها متشابهة لا تجد فيها اختلافاً أبداً، وإذا كانت مهمة التحقيق هذه عسيرة في العهود الماضية، فهي سهلة يسيرة في عصرنا هذا، ويمكن لمن يتابع ويحقق في هذا الأمر أن يصل إلى الحقيقة ويكتشف كذب تلك المفتريات: (فبشر عبادِ*الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)الزمر/17-18.

وتدرس اليوم العلوم القرآنية بشكل واسع في الحوزات العلمية للمسلمين الشيعة في النجف الأشرف، وقم المقدسة، وغيرهما، وتتضمن الدراسة في مباحثها المهمة بحث عدم تحريف القرآن(1)


27-القرآن وحاجات الإنسان المادية والمعنوية:

إننا نعتقد أن القرآن المجيد بين أسس كل حاجة بشرية تؤمن له حياته المعنوية والمادية، إذ وضع الضوابط العامة والقواعد الكلية للمسائل السياسية وإدارة الدولة وعلاقات المجتمعات ببعضها، وأصول التعايش والحرب والسلم والشؤون القضائية والاقتصادية وغير ذلك. حيث إن تطبيقها عملياً يملأ الحياة الإنسانية بالسعادة: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)النحل/89.

ولهذا فإننا نعتقد أن الإسلام لا ينفصل عن الحكم والسياسة أبدا، ويدعو المسلمين إلى الإمساك بزمام أمورهم بأنفسهم لإحياء القيم الإسلامية السامية، وإقامة مجتمع إسلامي يسير نحو تحقيق العدالة والقسط، وتطبيقها بحق العدو والصديق: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين)النساء/135.

(ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو لأقرب للتقوى)المائدة/8.


28-التلاوة والتدبر والعمل:

إننا نعتقد أن تلاوة القرآن هي من أفضل العبادات ولا ترقى إليها بقية العبادات، لأن هذه التلاوة التي تساعد على التدبر القرآني والتفكر هي مصدر كل عمل صالح.

قال تعالى مخاطباً نبيه محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم): (قم الليل إلا قليلاً*نصفه أو انقص منه قليلاً*أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً)المزمل/2-4.

ويخاطب تعالى الأمة الإسلامية جمعاء بقوله عز من قال: (فاقرؤا ما تيسر من القرآن) المزمل/20.

ولكن-كما ذكرنا-ينبغي أن تكون التلاوة وسيلة للتفكر والتدبر في المعنى المحتوى، وهذا التدبر يجب أن يصبح مقدمة للعمل بالقرآن: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها) محمد/24.

(ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) القمر/17.

(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه) الأنعام/155.

وعليه فإن من يقتصر على التلاوة والحفظ دون التدبر والعمل فقد خسر خسراناً عظيماً؛ لأنه عمل بأحد الأركان وفرط بالركنين الأهم.


29-بحوث وتقويم:

إننا نعتقد أن ثمة أيادي تحاول صرف المسلمين عن التدبر في آيات القرآن والعمل بها، ففي العصرين الأموي والعباسي جعلت تلك الأيادي الناس تخوض في نقاشات حول قدم القرآن وحدوثه(2)، فانقسم الناس إلى طائفتين كل تؤيد إحدى المقولتين، وسفكت من جراء ذلك دماء كثيرة؛ في حين أن مثل هذا البحث لا ينطلق من مفهوم صحيح يستحق مثل هذا الصراع، فإذا كان المراد بكلام الله حروفه وورقه فهو حادث، وإن كان المقصود علم الله تعالى فهو قديم وأزلي كذاته؛ غير أن الحكام الجائرين والخلفاء الظالمين شغلوا المسلمين سنوات طويلة بهذه المسألة، واليوم أيضاً توجد هناك أيادٍ تحاول بشتى السبل صرف المسلمين عن التدبر بآيات القرآن والعمل به.


30- ضوابط تفسير القرآن:

إننا نعتقد أنه يجب حمل ألفاظ القرآن على نفس مفاهيمها العرفية واللغوية، إلا أن توجد قرينة عقلية أو نقلية في باطن الآيات أو ظاهرها تدل على معان أخرى، (ولكن يجب تجنب الاعتماد على القرائن المشكوكة وعدم تفسير آيات القرآن بالحدس والتخمين).

على سبيل المثال: إننا على يقين من أن المراد بالعمى في الآية: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى)الإسراء/72، ليس العمى الظاهري الذي يدل عليه معناه اللغوي، إذ يوجد الكثير من الصالحين مكفوفي البصر، وإنما المقصود هو العمى القلبي والباطني؛ فالقرنية العقلية هنا هي التي دفعتنا إلى مثل هذا التفسير.

كما يصف القرآن بعض أعداء الإسلام بالصم والبكم والعمى: (صم بكم عمي فهم لا يعقلون)البقرة/171، ومن الواضح أن هذه الصفات التي أطلقها القرآن على تلك الفئة هي صفات باطنية (وهذا التفسير يعتمد على القرائن المتوفرة).

وحينما يقول تعالى: (بل يداه مبسوطتان)المائدة/64، أو يقول: (واصنع الفلك بأعيننا)هود/37، فلا يُفهم من ذلك أن لله سبحانه أعضاء جسمية من قبيل اليد والعين؛ لأن أي جسم مكون من أجزاء ويحتاج إلى الزمان والمكان والاتجاه فهو فان، والله تبارك وتعالى أعظم من أن يتصف بهذه الصفات، وإنما المراد من ((يداه)) قدرته الكاملة التي يخضع لها كل العالم، والمقصود من ((الأعين)) علمه بكل شيء.

ولهذا فإننا لا نوافق أي جمود على التعابير السالفة –سواء المتعلقة بصفات الله أو غيرها – وتجاهل للقرائن العقلية والنقلية، ذلك أن الاعتماد على القرائن هو أسلوب متبع لدى جميع العقلاء، ومن ثم فإن القرآن اعتمد هذا الأسلوب أيضاً: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)(3) ، غير أن هذه القرائن يجب أن تكون واضحة قطعية كما قلنا.


31-أخطاء التفسير بالرأي:

إننا نعتقد أن التفسير بالرأي يُعد أحد أخطر الأمور التي تتعلق بالقرآن المجيد؛ إذ اعتبرته الأحاديث من الكبائر، ويبعد صاحبه عن الله تعالى، فقد جاء في الحديث أن الله قال: ((ما آمن بي من فسر برأيه كلامي))(4). وهذا واضح لأن المؤمن الحق لا يفسر كلام الله حسب ما يشتهي ويهوى.

وورد الحديث الشريف التالي عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكثير من المصادر المعروفة ومنها الترمذي والنسائي وأبي داود: ((من قال في القرآن برأيه أو بما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار))(5).

والمراد من القول بالرأي تفسير القرآن حسب الرغبات الشخصية أو الطائفية دون أن تحصل لدى المفسر أية قرينة أو شاهد؛ وهذا الشخص في الحقيقة لا يتبع القرآن، وإنما يريد أن يتبعه القرآن، وما كان ليفعل ذلك لو احتوى قلبه على إيمان كامل بالقرآن.

ولا شك في أن القرآن المجيد سيفقد قيمته تماماً لو فتح باب التفسير بالرأي؛ لأن كل شخص سيفسر حسب هواه ويطبق القرآن على أية عقيدة باطلة.

وعليه فإن التفسير بالرأي يعني تفسير القرآن خلافاً لموازين علم اللغة والأدب العربيين وفهم أهل اللغة، وتطبيقه على التصورات الباطلة الأهواء الشخصية أو الطائفية؛ الأمر الذي يؤدي إلى التحريف المعنوي للقرآن.

وللتفسير بالرأي أشكال عديدة ومتنوعة، منها التعامل الانتقائي مع الآيات القرآنية، بمعنى أن ينتقي المفسر في بحوث الشفاعة مثلاً أو التوحيد أو الإمامة أو غيرها الآيات التي لا تتعارض مع رأيه ويترك التي لا تنسجم مع أفكاره والتي يمكن أن تفسر الآيات الأخرى.

وبخلاصة: أن الجمود على ألفاظ القرآن المجيد وعدم الاهتمام بالقرائن العقلية والنقلية المعتبرة هو نوع من الانحراف، كما أن التفسير بالرأي هو نوع آخر من الانحراف، وكلاهما يؤديان إلى الابتعاد عن التعاليم القرآنية السامية وقيم هذا الكتاب السماوي، فتدبر.


32-السنة المستلهمة من كتاب الله:

إننا نعتقد أنه لا يمكن لأحد أن يقول: كفانا كتاب الله، ويتجاهل الأحاديث والسنة النبوية التي تفسر حقائق القرآن وتبين الناسخ والمنسوخ والخاص والعام وتوضح أصول الدين وفروعها؛ لأن الآيات القرآنية نفسها اعتبرت سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته حجة على المسلمين، وجعلتها من المصادر الأساسية في فهم الدين واستنباط الأحكام: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)الحشر/7.

(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا) الأحزاب/36.

فمن لا يبالي بالسنة النبوية إنما هو مُعرض عن القرآن؛ ومن الطبيعي أن تؤخذ السنة من الطرق المعتبرة، ولا يمكن الاعتماد على أي قول ينسب إليه (صلى الله عليه وآله وسلم).

يقول الإمام علي (عليه السلام) في إحدى خطبه: ((ولقد كذب على رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- حتى قام خطيباً فقال: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))(6).

وورد قريب من هذا المعنى في صحيح البخاري(7).


33-سنة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي واجبة الطاعة كتلك الواردة عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأنه:

أولاً: صرح بهذا المعنى الحديث المتواتر المعروف الذي نقلته معظم كتب الحديث المشهورة لدى السنة والشيعة، فقد جاء في صحيح الترمذي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((يا أيها الناس، إني قد تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي))(8).

ثانياً: نقل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كل أحاديثهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصرحوا بأن كل ما ينطقون به وصلهم عن آبائهم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

أجل، فلقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على علم بمستقبل أمته والمشكلات التي تعترض سبيلها، ولذلك وضح أمامهم الطريق لحل هذه المشاكل بعده وجعله يكمن في إتباع القرآن وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فهل يمكن تجاهل مثل هذا الحديث المعتبر المهم بكل بساطة والمرور عليه مرور الكرام ؟.

إننا نعتقد أن هذه المسألة لو حظيت باهتمام أكبر لما واجه المسلمون بعض المشاكل التي يعانون منها حالياً في قضايا العقائد والتفسير والفقه.


1- بحار الأنوار 2: 280، الحديث 44.

2- ورد في بعض التواريخ أن المأمون أصدر حكما خلع فيه كل صاحب منصب حكومي لا يؤمن بخلق القرآن، ورفض شهادته في المحاكم(تاريخ جمع القرآن الكريم: 260)

3- كتبنا بحوثاً واسعة في التفسير وفي أصول الفقه حول عدم التحريف.

(راجع أنوار الأصول، وتفسير الأمثل).

4- الوسائل 18: 28، الحديث 22.

5- مناع خليل القطان/مباحث في علوم القرآن: 304.

6- نهج البلاغة: الخطبة 210.

7- صحيح البخاري 1:38، باب اسم من كذب على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

8- صحيح الترمذي 5: 662، باب مناقب أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الحديث 3786، وسنتطرق بشكل أكثر تفصيلاً إلى الأسانيد المتعددة لهذا الحديث في بحث الإمامة من هذا الكتاب.


إلى الجزء الثاني